زاهر بن حارث المحروقي
كاتب عماني
1
تحتل إيران الآن مرتبة متقدمة في فكر واهتمام القيادة الإسرائيلية تزيد على الاهتمام بالدول العربية عامة ودول المواجهة خاصة ، لذا ازدادت في الآونة الأخيرة الدراسات والمقالات التي تنشر في الصحافة الإسرائيلية عن إيران ، ولا يكاد يوم يمر إلا وتنشر هذه الصحافة مقالات ودراسات وتحليلات عن إيران . وهناك دراسة هامة كتبها الدكتور زئيف ماغين رئيس قسم تاريخ الشرق الأوسط في جامعة بار إيلان وهو باحث كبير في مركز بيجن – السادات للأبحاث الإستراتيجية نشرت في العدد 22 من مجلة المركز ، تحت عنوان ( العلاقة بين القيم والقتال : الله يهزم الآلة ) ، يقول فيها إنه طلب منه أن يبحث عن إجابة ماذا تعلم الإيرانيون من حرب لبنان الثانية ؟ وللرد على هذا السؤال بحث في الخطابات الأخيرة لقادة الجمهورية الإسلامية وفي مقالات في الصحف الفارسية ومواقع في شبكة المعلومات وخطب لآيات الله في المساجد ومواد كثيرة ، ووصل إلى حقيقة أن الإيرانيين تعلموا من هذه الحرب شيئا واحدا هو أن الإسرائيليين يفكرون بطريقة عملية وواقعية ومادية أي على نحو لا يرى أية صلة بين كيف يحاربوا ولماذا يحاربوا ؟ وإن الإيرانيين وحلفاءهم الإسلاميين والأصوليين لا يفكرون هذا التفكير بل يرون صلة مباشرة بين الإيمان وبين القتال على جميع الأصعدة وأن الإيمان والأخلاق من الأسباب الرئيسية لتحقيق أي انتصار . ويقول الدكتور زئيف ماغين أصبح من الواضح لنا أنه مهما يكن الوضع الروحي والأخلاقي للمجتمع فإن ما يقرر نتائج مواجهة عسكرية آخر الأمر هو القدرة القتالية والمستوى التقني لكل جانب ، ليس الإنسان المؤمن أو الأخلاقي هو الذي ينتصر بل ينتصر الإنسان في الدبابة ، وعلى مدى المئات والعشرات من المؤتمرات التي عقدت في إسرائيل حول الأمن لم يقم ولا يقوم ولو ناطق واحد ليعرض تحليلا عميقا على سبيل المثال لمستوى وعي الشعب لتراثه أو وضع العدالة الإجتماعية في الدولة أو نسبة الحضور في الكنس أيام السبت ، إن محاضرة كهذه ربما ستثير الدهشة والإستغراب والإستخفاف ، ثم سيعود النقاش إلى التحدث بنغمات جدية عن الصواريخ القصيرة والبعيدة المدى والموازين الإستراتيجية وعن قضايا عملية هنا وهناك . ويقول الدكتور زئيف ماغين إن التصور العميق والضروري الكامن في جملة " هؤلاء في مراكب وأولئك على خيول ، ونحن نذكر اسم ربنا تعالى " ، نحن اليهود في الحقيقة من جلبناه للعالم ولكننا طرحناه أرضا في هذه الأثناء بتكبر وصلف ، ورفعه آخرون وهم يجرون معه الآن إلى الأمام في الطريق إلى إنجازات عظيمة وعلى رأسهم – كما يرى الباحث – الجمهورية الإسلامية الإيرانية
2
فوجيء الإيرانيون ودهشوا مثل قادة ومفكري الدول العربية لعدم قدرة الجيش الإسرائيلي الأسطوري على سحق عصابة صغيرة كحزب الله وبلوغ أهدافه في غضون أيام معدودة . كيف سقط الأبطال في أيدي الضعفاء والكثير في أيدي القلة ؟! يقول الدكتور زئيف ماغين حسب رأيه إن الإيرانيين لم يجدوا تفسيرا عسكريا فأي تفسير عسكري قد يكون لهذه الظاهرة الغريبة ، وهي أن جيشا غلب ثلاث دول عربية مرة واحدة واحتل مئات الكيلومترات في كل جبهة في غضون ستة أيام فقط ووصل نفس الجيش في عام 1982 الليطاني في ليلة تقريبا ، ومنذ ذلك الحين عزز نفسه بمليارات الدولارات أنفقت على أكثر المعدات العسكرية تطورا في العالم ، كيف لم يستطع جيش لا يهزم كهذا ، التقدم سبعة كيلومترات بائسة في مدة شهر في مواجهة جيش حسن نصرالله ؟ وللإجابة على هذا السؤال ينقل الباحث الإسرائيلي مقتطفات طويلة من دراسات إيرانية وخطب الجمعة ومقالات من الصحف الإيرانية ومواقع شبكة المعلومات الدولية كلها تصب في خانة واحدة هي أهمية وجود الإيمان والأخلاق والمباديء في الجيش مع وجود الاهتمام بالجانب التسليحي والقتالي أيضا ، وينقل فقرات مطولة من تحليل يصفه بأنه يثير القشعريرة كتبه المحلل جمشيد الأسغفور في شبكة يهايسار غران قبل انتهاء الحرب بين إسرائيل وحزب الله ، استعرض فيه إنشاء جيوش المنطقة على النسق الغربي وتحت إشراف ضباط غربيين وكيف أن مع مرور الوقت تبين أن هذه الجهد كان عبثا وخلصوا إلى استنتاج أن مصدر قوة الجيوش الغربية هو نظام القيم والمؤسسات الوطنية التي تقوم من وراء الجيش والتي ينشأ الجيش عنها ويدافع عنها وهي قيم مثل الديمقراطية والقومية وتساوي الحقوق والإحساس بالوحدة والإخلاص ، وعلى إثر هذا الفهم بدأت نظم الحكم في الشرق الأوسط تمنح مواطنيها الصورة الخارجية على الأقل لجزء من هذه القيم ، ومع ذلك لم تنجح هذه الخطة أيضا ، وعندها تنبه المسلمون أنه توجد صلة مباشرة بين قيم المجتمع والقدرة العسكرية ولكن إذا كانت القيم قيما أجنبية ومستوردة فإن هذا يسقط الهدف إسقاطا تاما ، ومنذ اللحظة التي استوعب فيها هذه الحقيقة الخالصة أولئك الذين يحترمون الإسلام وفرائض الله ، بدأوا يناضلون من أجل بناء مجتمعات تقوم على القرآن الكريم والحديث الشريف وعلى ميراثنا الأصيل المتميز كمسلمين . في الدولة الصهيونية وفي التاريخ اليهودي (يواصل المحلل)، كانت العملية عكسية. ففي بداية طريق هذا الشعب (في فترة الكتاب المقدس) علم قادته علما حسنا أنه توجد صلة وثيقة بين النجاح في الحرب والحفاظ علي القيم، وليس هذا فقط، بل علموا ايضا أن القيم التي يجب عليهم حمايتها هي قيمهم الأصيلة لا تلك التي استعاروها من دول وثقافات ومدنيات اجنبية. عندما أقام اليهود دولتهم العصرية في فلسطين في القرن العشرين، كانوا لا يزالون يؤمنون بأنه توجد صلة بين نوع الجيش وقيم المجتمع، وكانوا لا يزالون يؤمنون بأن هذه القيم يجب أن تنبع، بقدر كبير علي الأقل، من التراث المتميز لشعبهم. وكان من نتيجة ذلك أن تغلب جيشهم مرة بعد اخري علي الدول العربية المجاورة، التي ابتعدت عن قيمها الحقيقية، أي عن قيم الاسلام. لكن في العقود الأخيرة أصبحت الدولة والمجتمع الصهيوني ـ اليهودي يستبدلان أكثر فأكثر بقيمهما الأصلية قيما غربية، بل أبعدا السير في الوقت الأخير وفصلا تماما العلاقة بين القيم والقتال. الاسرائيليون اليوم يؤمنون بالقوة فقط، ويعتمدون علي دباباتهم وطائراتهم فحسب؛ أما أبطال حزب الله، في مقابل ذلك، فلا يملكون لا دبابات ولا طائرات، ويؤمنون أكثر من أية مرة مضت بقوة الروح خاصة، ويعتمدون علي القيم التي منحها لهم الاسلام، ويتوكلون علي الله جل وعلا، يحاربون بأيديهم ويُصلون بقلوبهم. وهاكم انظروا الي النتيجة. وكلما تقدم هذان المساران المتعاكسان ـ في المعسكر الاسلامي في مقابل ذلك الذي في المعسكر الصهيوني ـ أخذ يقترب المصير المر للنظام الصهيوني . ويعود رئيس قسم تاريخ الشرق الأوسط في جامعة بار إيلان في دراسته تلك عن الدروس التي استفادتها إيران من الحرب وماذا تعلمت فيقول لقد تعلمت ـ وهي الآن تُعلم العالم الاسلامي كله من خلال جميع القنوات الممكنة ـ أن الجيش لا يهم مبلغ تقدمه وجاهزيته وخبرته، اذا كان لا يملك فكرة واحدة سامية للقتال من اجلها، فسيفسد آخر الأمر عاجلا أو آجلا، وينهار ويُهزم. هذه هي الصيغة التي تنتشر انتشار النار في الهشيم في دار الاسلام كلها اليوم، لا فيما يتصل باسرائيل وحدها، بل فيما يتصل بالحضارة الغربية كلها. يري الاسلاميون هذه الحضارة فاسدة مُنحلة، غير مؤمنة بنفسها، تجري وراء الشهوات والمكائد. في مواجهة غرب مُنحل كهذا يقف مئات ملايين المسلمين،- كما يقول الباحث - وهم يزدادون ايمانا مع كل يوم يمر ـ علي رغم الصراع المؤقت بين أهل السنة والشيعة في العراق ـ وأكثر توحدا ايضا. ويختم الباحث الإسرائيلي دراسته وهو لا يخفي رغبته في أن يرى الصراع بين السنة والشيعة يستمر ، بل يقول إن المقارنة بين القيم الإسلامية والقيم الغربية تعطي الإيرانيين خاصة والإسلاميين عامة ، القوة والأمن والإيمان والباعث المطلوب لجعل حياة سكان الولايات المتحدة وأوروبا وإسرائيل جحيما على الأرض ، وهي إشارة لا تخفى إلى توجيه تهمة الإرهاب إلى كل من ينظر في تلك المقارنة .
3
لقد اختفت من المناهج الدراسية الكثير من الموضوعات القيمة التي كانت تثري عقل الطالب ، واختفت من المحفوظات الكثير من القطع التي كانت تفتح عقل الطالب إلى البحث والإطلاع وتفتح مداركه وتقوده إلى القيم السامية العليا ، ومن تلك القطع التي اختفت رسالة الخليفة العادل عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى قائد جنده في معركة القادسية سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه ، وهي رسالة تجمع بين الفقه والحكمة والأدب والفلسفة ، وستبقى ما بقي الدهر عنوانا بارزا على عبقرية ذلك الخليفة ، كتب عمر إلى سعد يقول له :- إني آمرك ومن معك من الأجناد بتقوى الله على كل حال ، فإن تقوى الله أفضل العدة على العدو وأقوى العدة في الحرب وآمرك ومن معك أن تكونوا أشد احتراسا من المعاصي منكم من عدوكم ، فإن ذنوب الجيش أخوف عليهم من عدوهم وإنما ينصر المسلمون بمعصية عدوهم لله ، ولولا ذلك لم تكن لنا بهم قوة ، لأن عددنا ليس كعددهم ، ولا عدتنا كعدتهم ، فإن استوينا في المعصية كان لهم الفضل علينا في القوة ، والا ننصر عليها بفضلنا ، لم نغلبهم بقوتنا ، واعلموا أن عليكم في سيركم حفظة من الله يعلمون ما تفعلون ، فاستحيوا منهم ولا تعملوا بمعاصي الله وأنتم في سبيل الله ولا تقولوا إن عدونا شر منا يسلط علينا وإن أسأنا فرب قوم سلط عليهم شر منهم كما سلط على بني إسرائيل لما عملوا بمساخط الله كفرة المجوس ( فجاسوا خلال الديار وكان وعدا مفعولا ) واسألوا الله العون على أنفسكم كما تسألونه النصر على عدوكم ، أسأل الله ذلك لنا ولكم . لقد لخص الخليفة عمر الفاروق رضي الله عنه القضية كلها في كلمات قليلة وموجزة وإذا كنت في إحدى المقالات قد أبديت إعجابي بوطنية وإخلاص القيادة الصهيونية لتحقيق أهدافها وقلت إن بعض الإعجاب ليس إثما ، أقول هل هناك فعلا في الوطن العربي من يبحث ويدرس ويحلل ويستنتج ؟ هل هناك مراكز بحوث تهتم بمستقبل الوطن العربي ومستقبل المواطنين العرب ومستقبل الصراع العربي الصهيوني ؟ لأننا بالمقابل نجد الإهتمام الإسرائيلي في الشؤون العربية ، يتناول حتى أدق التفاصيل اليومية لحياة المواطن العربي . ثم إن الباحث الإسرائيلي قد طرح عدة نقاط الأولى أن نهتم نحن بها ، مثلا هل إن الصراع العربي الإسرائيلي قومي أو ديني ؟ أو هل الصراع على قطعة أرض جغرافية فقط ؟ وهل القدس والمسجد الأقصى مجرد قطعة أرض فقط ولا تمثل شيئا بالنسبة للمسلمين ؟ وماذا لو نظرنا إلى المسألة باعتبارها مسألة إيمان وأن الدفاع عن فلسطين واجب مقدس لكل مسلم بالمال والحال هل كان يمكن أن تقوم إسرائيل وأن تستمر إلى الآن ؟ إنها أسئلة تحتاج إلى وجود مراكز بحث وإلى وجود هدف تسعى إليه الأمة وتؤمن وسائل تحقيقه .
منقول من جريدة الشبيبة العمانية
No comments:
Post a Comment