زاهر بن حارث المحروقي
كاتب عماني
1
إن الأمتار القليلة ليست مقياسا لدور أية دولة أبدا بل إن القيادة والإرادة والإخلاص ووضوح الرؤية هي التي تؤهل أي بلد من القيام بدور قيادي في الأمة وهذا ما وضح جليا في الموقف القطري من القضية اللبنانية ، وقد حرص سمو الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني أمير دولة قطر على التأكيد في افتتاح مؤتمر المصالحة اللبنانية في الدوحة أن قطر بلد يعرف حدوده وهو لا يسعى لدور يفوق طاقته لكنه يطمح أن يكون ساحة للقاء النيات الحسنة تفتح الأبواب لحوار مفيد . ويعبر كلام سمو الشيخ خليفة بن حمد عن التواضع فقطر التي تعرف حدودها ولا تسعى لدور يفوق طاقتها نجحت فيما لم ينجح فيه الآخرون ووضعت حدا لمشكلة كبيرة كانت تنذر بحرب أهلية ثانية في لبنان مما أدى إلى حقن دماء كثيرة وإلى إبعاد العرب عن قضية كانت ستشغلهم عن قضاياهم الرئيسية ولقد أصبحت دولة قطر تحتل مكانة عالمية الآن وذلك لإمكاناتها العالمية في المجالات كافة وأصبحت تمتلك رؤية سياسية للعلاقات الخارجية رغم الحجم الجغرافي الصغير وعدد السكان مما أعطاها ثقلا سياسيا ومكانة بين الدول العربية الكبرى بل استحقت لقب الشقيقة الكبرى بجدارة وذلك من منطلق الدور الذي قامت وتقوم به في المنطقة إن أهم أسباب النجاح القطري في حل مشكلة لبنان أنها تحركت بحياد وصدق ولم تقف مع طرف ضد طرف آخر ، كما حصل من بعض الأطراف في المنطقة إذ أنهم بوقوفهم مع طرف ضد طرف آخر أشعلوا الفتيل أكثر ، مما أدى إلى عرقلة مسيرة الحل السلمي وكادت أن تصل الأمور إلى الانفجار ، ويضاف إلى ذلك سبب آخر هو الابتعاد عن الاستعراض السياسي والبهرجة الإعلامية ، مما أعطى القطريين وعلى رأسهم طبعا أمير دولة قطر ورئيس وزرائه القدرة على التحرك والتدخل السريع لحل أية معضلة واجهت المفاوضات ، وقد أشاد معالي يوسف بن علوي بن عبدالله الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية بالدور الرائد الذي قامت به قطر وعلى وجه الخصوص سمو الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني ، الذي كان متابعا ومشاركا طيلة فترة انعقاد الحوار اللبناني - اللبناني وكذلك بالجهد الذي قام به معالي الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني رئيس الوزراء القطري إن الحيادية وصدق النوايا وعلاقات المسؤولين القطريين المتوازنة مع كل الزعماء اللبنانيين سواء كانوا من المعارضة أو الموالاة كل ذلك ساهم مساهمة كبيرة في إنجاح الاتفاق اللبناني اللبناني ، وبالتالي أدى إلى حقن الدماء وتجنيب المنطقة ويلات حرب أهلية كانت تنتظر صفارة الحكم فقط للانطلاق . لقد أكسب الدور القطري في إنجاح الوساطة ، جامعة الدول العربية ثقلا وعمقا جديدين مما قد يجعلها أكثر تصميما على حل الصراعات العربية المشتعلة وهي صراعات كثيرة ، وفي كل الأحوال فإن الدور القطري أصبح مطلوبا الآن بعد أن تبنت قطر سياسة تسوية الأزمات العربية ولم الشمل العربي ، وها هي الطلبات تنهال على قطر من حماس والحوثيين والدارفوريين والصحراويين والصوماليين لعقد جلسات مصالحة شبيهة بالمصالحة اللبنانية
2
لا أحد يستطيع أن يلغي العاطفة من قلوب الناس ، فكثير منهم يبني رأيه وفق الزاوية التي ينظر من خلالها إلى الأحداث وكثير منهم يبني رأيه من منطلقه الخاص كانتمائه الجغرافي أو العرقي أو المذهبي أو غير ذلك ، وتبقى هذه سنة الحياة . وهناك من اتهم دولة قطر بأنها لم تقف على الحياد بل كانت منحازة بشكل واضح إلى جانب المعارضة اللبنانية فهي ترتبط بعلاقات طيبة مع كل من سوريا وإيران وحزب الله وحماس ، وبالمقابل – كما قالوا – تربطها بالمملكة العربية السعودية التي لها علاقات ممتازة مع الموالاة ، تربطها بها علاقات متباينة ما بين توتر وتصالح ، وهي تهمة لا أساس لها من الصحة بل يجب الا تقال الآن وقد اتفق اللبنانيون وحلوا مشاكلهم . إن وجود علاقات قوية بين قطر وسوريا وإيران وحزب الله وحماس كان لمصلحة حل الأزمة اللبنانية وليس في تعقيدها ، لأن من يملك علاقات عديدة يكون الأقدر على التحرك والتأثير ، عكس من يقف مع طرف دون طرف آخر أو يبني موقفه من خلال زاوية ضيقة يرى من خلالها الأحداث ، ويجب أيضا ألا يغيب عن بال من اتهم قطر بأنها وقفت مع المعارضة أن قطر نفسها التي تقيم علاقات جيدة مع حماس وحزب الله هي نفسها قطر التي تقيم علاقات جيدة أيضا مع إسرائيل ، والاتصالات بين البلدين لم تنقطع أبدا رغم قطع العلاقات الدبلوماسية .! والقصد من وراء ذلك أن قطر في علاقاتها الجيدة مع المعارضة لم تقف مع طرف ضد الطرف الآخر فهي بالمقابل ترتبط بعلاقات جيدة أيضا مع الموالاة بكافة أطيافها
3
لقد تهجم أحد زعماء الموالاة يوما على السلطنة ودولة قطر وقال إنهما تقفان مع المعارضة ضد الموالاة فما هو موقفه الآن وقد نجحت اللجنة العربية المكلفة بحل الأزمة اللبنانية ؟ إن هذا الشخص ملأ الفضاء بتصريحاته الرنانة ووزع التهم جزافا بالمجان على العالم وتوعد أنه مستعد أن يخوض بحارا من الدماء في سبيل الديمقراطية والشرعية ثم تفاجأنا به في قناة الجزيرة وفي إذاعة البي بي سي يقول كلاما لينا وهو محاصر داخل جدران بيته ويصف حسن نصر الله بأنه سيد المقاومة . وموقف السلطنة قد أعلنه معالي يوسف بن علوي وهو أن السلطنة ترتبط بعلاقات أخوية صادقة مع جميع الأطراف في لبنان وكان دورنا أننا ننظر فيما هو صالح للبنان ولم نتحيز إلى أي طرف دون الآخر وهذا ما أدى إلى نحاج الاتفاق
4
لقد مرت على العرب أزمات كثيرة ولم تجد من يتصدى لها بغياب الزعماء والزعامات ، ولقد أعادت دولة قطر إلى الأذهان ما قام به الرئيس جمال عبد الناصر في شهر سبتمبر عام 1970 عندما جمع القادة العرب في القاهرة ليضع حدا للاقتتال الدائر بين الفلسطينيين والأردنيين وراح ضحيته الآلاف من خيرة الفدائيين الفلسطينيين والشباب الأردنيين ، لقد وضع الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في 28/9/1970 حدا للقتال وحقن أرواح ودماء العرب والمسلمين وما لبث أن دفع حياته ثمنا لذلك المجهود في نفس اليوم الذي وقّف فيه سفك الدماء العربية بأيد عربية وبتخطيط أجنبي ، فبعد أن ودع أمير دولة الكويت وكان آخر المغادرين عاد إلى بيته وفتح الراديو وسمع موجز الأخبار ثم قال الحمد لله الآن سأستريح خالص وتسلمت الملائكة الروح وسلمتها لبارئها . لقد أثبتت دولة قطر أن العرب قادرون على حل قضاياهم بعيدا عن القوى الخارجية وإنما المطلوب هو قليل من الجهد مع الإخلاص وصدق النية
نشرت في جريدة الشبيبة في 3 يونيو 2008م
No comments:
Post a Comment