زاهر بن حارث المحروقي
كاتب عماني
1
لقد أحس المواطنون العمانيون بارتياح تام من بيان الحكومة العمانية رفضها واحتجاجها على ما جاء في تقرير وزارة الخارجية الأمريكية الأخير حول الاتجار بالبشر والذي اتهم السلطنة للعام الثاني على التوالي ضمن دول أخرى بالاتجار بالبشر وأن السلطنة لم تبذل جهودا لمكافحة هذه القضية ومبعث الارتياح طبعا هو مجرد الرد على المزاعم الأمريكية إذ المعتقد أن أمريكا لا تمس أبدا ولا يحق لها أن تلقي التهم جزافا لمن تريد ومتى تريد وكيف تريد وكان مجلس التعاون لدول الخليج العربية قد أصدر الأسبوع الماضي بيانا هو الآخر كان شديد اللهجة في خطوة غير مسبوقة ندد فيه بالمزاعم الأمريكية وقال بيان لوزراء خارجية المجلس إن المعلومات التي وردت في البيان الأمريكي مغلوطة وغير صحيحة وتهدف إلى ممارسة ضغوط غير مبررة لأهداف سياسية كما أن البيان كان شديد اللهجة ضد الاتحاد الأوروبي ومماطلاته في التوصل إلى اتفاقية التجارة الحرة بين دول المجلس والاتحاد الأوروبي وقد مرّ البيان على الكثيرين دون التركيز عليه لأن الناس سئمت وملت من البيانات الرسمية التي لا تتغير أبدا إلا في التاريخ فقط وقد شملت لائحة الاتهام ، الاستغلال الجنسي وعمل الأطفال وتهريب مهاجرين والعمل الإجباري والاستغلال المادي للأجانب والزواج بالإكراه والبغاء وفرض قيود على القوى العاملة الأجنبية والاتجار بالنساء وتجنيد الأطفال وخطف النساء وغير ذلك من التهم أما تهمة السلطنة فكانت ربما الأخف بين التهم الموجهة للدول الأربعة عشرة وهي العمل الإجباري وفرض قيود على حقوق القوى العاملة الأجنبية ، وقد بحثت عن هذه التهمة ، وتعريفها يقول : إن الاتجار بالبشر يتضمن نقل الأشخاص بواسطة العنف أو الخداع أو الإكراه بغرض العمل القسري أو العبودية أو الممارسات التي تشبه العبودية ، ويعد ذلك عبودية لأن من يتاجرون بهم يستخدمون العنف والتهديدات وأشكال الإكراه الأخرى لإجبار ضحاياهم على العمل ضد إرادتهم ويشمل ذلك التحكم في حريتهم في الحركة ومكان وموعد عملهم والأجر الذي سيحصلون عليه – إن وجد - ولله الحمد فإن هذا التعريف يغنينا عن تفنيد التهمة لأن كل من له لب وكل منصف سواء كان مواطنا أو مقيما يعرف حقيقة الأكاذيب الأمريكية إذا استثنينا طبعا بعض الحالات الفردية التي توجد في كل مكان في العالم وقد اعترف بها المسؤولون العمانيون أنفسهم
2
إذا كانت حكومة السلطنة وحكومات الدول الخليجية الشقيقة قد استنكرت الافتراءات الأمريكية في خطوة غير مسبوقة وهي خطوة مشكورة ومقدرة فإننا كمواطنين نتمنى ألا ترضخ هذه الدول للضغوط الأمريكية لأن رضا الشعب هو الأهم وليس رضا أمريكا ودائما أردد أن الشرعية تستمد من الداخل لا من الخارج ، وعندما نرضخ مرة فإننا سنرضخ دائما وإذا كانت التهمة الآن هي الاتجار بالبشر فإن التهمة المقبلة هي عدم إعطاء الشاذين حقوقهم كاملة ثم الحديث عن اضطهاد الأقليات ثم التدخل في العرقيات والمذاهب وللأسف فإن البعض من ضعاف النفوس ممن لا ينظرون إلى الأمام جاهزون وقد بذلت دول مجلس التعاون جهودا كبيرة لدفع التهمة عنها وأقامت المؤتمرات والندوات كان آخرها المؤتمر العلمي الأول لمكافحة الاتجار بالبشر بين النظرية والتطبيق الذي عقد في دولة قطر في شهر مارس الماضي حيث قدم الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي ورقة عمل تحت عنوان الاتجار بالبشر وموقف الشريعة الإسلامية منه أشار فيها إلى محاربة الإسلام لاستغلال البشر لكن الشيخ يوسف القرضاوي الذي عوّدنا دائما أن يكون يقظا ويعرف المخططات الأمريكية والغربية تجاه الإسلام توافق ضمنا مع التهم الأمريكية عندما أشار إلى ظاهرة المغتربين والوافدين الذين تأتي بهم الشركات وتعطيهم الحد الأدنى من الأجور وتضعهم في غرف كأنهم ( أغنام في زريبة ) مؤكدا أن هذا لا يليق بالبشر ويندرج تحت ظاهرة الاستغلال ولم يتحدث فضيلة الشيخ الدكتور القرضاوي كما فعلت أمريكا أيضا عن حقوق أصحاب الأعمال وعن القوانين التي تقف في صالح المستخدمين – بفتح الدال - ولنا هنا في السلطنة في قضية خادمات المنازل مثلا وأي مثل فهي قصة يجب أن تروى وأظن أن الدكتورة سعيدة بنت خاطر قد أحاطت الموضوع إحاطة جيدة في جريدة "الشبيبة" ، فالقوانين تستطيع أن تجرم المواطن على حساب العامل خوفا من السمعة الخارجية فقط ومن ثم نسأل ما هو السقف الأعلى أو الأدنى الذي يجب أن يدفع للعاملين إذا كانت رواتبنا في الأصل بالكاد تكفينا بعد ثلاثة أيام فقط من تسلمها؟! مع العلم أن السواد الأعظم من المواطنين لا يستقدمون عمالا إلا للعمل كسائقين أو طباخين أو خادمات منازل وإذا كان فريق العمل المنبثق عن اللجنة القانونية بمجلس الشورى قد بحث ظاهرة هروب القوى العاملة الوافدة وذلك في إطار دراسة الفريق للتعديلات على بعض مواد قانون العمل الخاصة بهذا الجانب فإننا نتمنى أن تكون القرارات ترضي الطرفين ولا تكون على حساب جهة واحدة فقط إرضاء لأمريكا أو للخارج على حساب المواطنين وكذلك نتمنى أن يراعي قانون الاتجار بالبشر المتوقع صدوره قريبا المواطن العماني وظروفه ولا يهتم فقط بالإدعاءات الأمريكية لأن أمريكا لن ترضى عنا أبدا مهما قدمنا لها من تنازلات فهدفها معروف ومرسوم وطلباتها كثيرة جدا ، وإذا كان للمواطن قيمة في بلده ستكون له قيمة خارج وطنه وإذا لم يكن له قيمة في وطنه فسيكون محتقرا في الخارج وهذه حقيقة مؤكدة ولها شواهد كثيرة إن معركتنا مع أمريكا هي معركة العقيدة في صميمها وحقيقتها تحت أعلام شتى فمن تغيير المناهج إلى جعل مادة التربية الإسلامية مادة غير أساسية وإلى الاختلاط وإلى التسامح والمناداة بوحدة الأديان وإلى التدخل في برامج وسائل الإعلام وإلى الاتجار بالبشر وحقوق الأقليات وحقوق المرأة وحقوق الشاذين وإلى آخر القائمة التي ظاهرها حق وباطنها باطل ، وقد نصل في حالة الرضوخ إلى منع إذاعة أو بث بعض السور والآيات من القرآن الكريم خاصة آيات الجهاد أو الآيات التي تتناول اليهود وإذا كانت أمريكا تهتم بحقوق الإنسان وبإعطائه الحرية في المعتقد والتعبير والعمل والمأكل والملبس ألم يكن من الأولى لها أن تهتم بغلاء أسعار المواد الغذائية وتجد حلا لها ؟ وهل هي مستعدة إلى أن تنزل سفاراتها في الخارج إلى تولّي أمور هروب خادمات المنازل من البيوت ؟ لقد سبق لي العام الماضي وكتبت في هذه الجريدة عن اتهام أمريكا لنا بالاتجار بالبشر تحت عنوان ( شرطي العالم ) ولا زلت أرى أن الكثير من النقاط الواردة في تلك المقالة تصلح حتى الآن والمقام لا يصلح لإعادة نشرها فأستميح قارئي العزيز في أن أنقل بعض النقاط من تلك المقالة
3
في هذا الموضوع هناك عدة وقفات الأولى هي زيف الإدعاء الأمريكي بأن في السلطنة اتجارا بالبشر ونحن في مجتمع كأي مجتمع في العالم لا ندعّي لأنفسنا العصمة ولكن نقول قد يكون حدث هناك بعض التجاوزات التي لا تكاد تذكر فلا داع لتضخيم الموضوع أبدا ففي النهاية التقرير الأمريكي مجرد تقرير ينشر سنويا مليء بالأخطاء والأكاذيب والافتراءات الوقفة الثانية يجب على السلطنة عندما تصدر قانونا وطنيا مستقلا لمكافحة الاتجار بالبشر أن تراعي الواقع والمجتمع العماني وما يحيط به لأن لكل دولة خصوصيتها وظروفها وما يحدث في فنزويلا غير الذي يحدث في السلطنة وما يحدث في السلطنة غير الذي يحدث في تنزانيا مثلا والقصد أن يكون القانون الوطني نابعا من حاجة المجتمع وليس مجرد إرضاء لأمريكا والوقفة الثالثة هي أن الخارجية الأمريكية تقول إنها اعتمدت على المعلومات الواردة من السفارات الأمريكية في الخارج لإعداد هذا التقرير وهذا يفتح لنا بابا للنقاش ما هو العمل الدبلوماسي في الأساس ؟ هل هو التدخل في الشؤون الداخلية للغير؟! إن بعض الصحف العربية أشارت إلى الكثير من التجاوزات الأمريكية في هذا الصدد ووصل الأمر أن تتصل بعض السفارات الأمريكية بالمواطنين وراء ظهور الدول لتجمع معلومات عن حقوق الإنسان وما شابه تلك المسميات البراقة تحت وهم أنهم يهتمون بحقوق الإنسان والاضطهاد والأقليات فإذا هم يستخدمون تلك المعلومات لصالحهم فقط وللضغط على تلك الدول ولنا في العراق مثلا وبكل من أمدّ الأمريكيين بمعلومات خاطئة وعادوا على ظهر القاذفات الأمريكية يوم احتلال العراق والوقفة الرابعة إنني استغرب من التهديد الأمريكي بوقف المساعدات ! فما هو حجم المساعدات التي حصلنا عليها ؟! هل اعطتنا ثلاثين مليار دولار كما هي المعونة المعلنة لإسرائيل للسنوات العشر المقبلة ؟ إن أمريكا هي التي استفادت منا مقابل التسهيلات التي منحت لها ولم نستفد نحن منها شيئا ، وعندما تكون المعونة مرتبطة بمهانة كصدقة يتبعها منّ وأذى فلا قيمة لها أبدا ولنا في مصر مثلا ففي دراسة أعدها مكتب محاسبة الانفاق الحكومي وهي مؤسسة تابعة للكونجرس الأمريكي أقرت بضرورة إعادة النظر في حجم المساعدات الأمريكية لمصر كنوع من أنواع العقاب والضغط على الحكومة المصرية لحثها على التصدي لتهريب الأسلحة لقطاع غزة حسب الإدعاءات الإسرائيلية واشترط الكونجرس للإفراج عن المعونة أن تبذل مصر جهدا أكبر في عدة محاور أهمها وقف تهريب الأسلحة إلى غزة والإفراج عن أيمن نور وغيرها من المطالب . ودائما تسمع مصر تهديدا بوقف المعونة رغم أنها تخلت عن دورها القيادي في الأمة في سبيل تحقيق السلام مع إسرائيل .
3
من يستطيع أن يحاكم أمريكا عن تجاوزاتها في العالم ؟ ومن يستطيع أن يحاكمها عن اتجارها بالبشر في العالم ؟ لقد كتبت سابقا عن مجازر أمريكا في العراق وأفغانستان والصومال ولبنان وعن فضائح جوانتانامو وأبوغريب ولكن السؤال الآن هل هناك اعتراف في أمريكا أنها بسياساتها التي تخدم الصهيونية فقط تاجرت بأرواح أبناء المهاجرين أصحاب البطاقة الخضراء عندما دفعت بهم إلى الموت المجاني خارج أمريكا في كل من العراق وأفغانستان على أمل الحصول على الجواز الأمريكي وهل يوجد اتجار بالبشر أكثر من استغلال الأمريكيين السود في الجيش الأمريكي الذين يشكلون الأغلبية قياسا إلى عددهم في أمريكا مقابل البيض ؟ بل إن السياسات الأمريكية أضرت بالشعب الأمريكي اقتصاديا بسبب مغامرات غير محسوبة فهي عندما تمارس دورها كشرطي العالم أو كاوبوي ، تقع في أخطاء جسيمة وقد تناولت العديد من المراكز البحثية الأمريكية تلك الأخطاء والإخفاقات لتعرضها أمام الإدارة الأمريكية فتوقظها قبل فوات الأوان ليس لدينا ما نخفيه وليس لدينا ما نخاف منه ومن واجبنا أن ندافع عن وطننا وقيادتنا أمام افتراءات كاذبة ليس وراءها إلا أهداف سياسية معلنة وغير معلنة ثم لا يوجد ما يمنع الحديث عن أمريكا أبدا التي تحاول أن تسن للعالم أخلاقا وهي الفاقدة للأخلاق وفاقد الشيء لا يعطيه
نشرت المقالة في جريدة الشبيبة في 17 يونيو 2008م
No comments:
Post a Comment