زاهر بن حارث المحروقي
كاتب عماني
1
أصدرت جامعة (بئر سبع) الإسرائيلية تفسيرا جديدا للقرآن الكريم قام بإعداده أكاديميون من عرب إسرائيل تحت إشراف الأستاذ الجامعي اليهودي (عوفر جروزيرد) ونشرت تفاصيله وزارة الخارجية الإسرائيلية في موقعها الالكتروني والتي تبنت المشروع معتبرة ذلك همزة وصل بين العالم الإسلامي والغرب وقد حظي الكتاب حسب بيان الخارجية الإسرائيلية بثلاث مقدمات كتبها ثلاثة من الشيوخ الأجلاء المعروفين هكذا دون تسميتهم .
وقد أعلنت وزارة الخارجية الإسرائيلية عن قرب إصدار الكتاب الكترونيا تحت عنوان ( قرآنت ) وذكرت أن المشروع شارك في مؤتمر( آفاق الغد ) الذي أقيم تحت رعاية الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريس في مركز المؤتمرات الدولي في القدس في الفترة ما بين 13 و 15 مايو الماضي بعد أن تم اختياره كواحد من أفضل 60 اختراعا وتجديدا إسرائيليا قد يؤدي إلى تغيير المستقبل في مجالات الطب والزراعة والتكنولوجيا والبيئة والتقنية العالية وعلوم الحواسيب والمجتمع . واعتبر موقع الخارجية الإسرائيلية أن ( قرآنت ) مشروع فريد من نوعه يجعل (الذكر الحكيم) وسيلة تربوية يستخدمها كل مرب ورب عائلة حيث يحصل في الفهرست على الآية الكريمة التي تتعلق بسؤاله وبعد ذلك تعرض أمامه قصة قصيرة من وحي الحياة اليومية ويكون في نهايتها دليل حسي أمام المعلم أو رب العائلة ليستخدم الآية القرآنية الواردة ويعي رسالتها في خطابه للطفل وفي الختام يحصل المستخدم على توضيح أو تعليل نفسي – تربوي موجز.
ويهدف المشروع إلى تقديم خدماته للمسلمين باللغات العبرية والتركية والفارسية والإنجليزية والفرنسية إضافة إلى اللغة العربية . وفي نموذج تجريبي لتفسير آية عبر (قرآنت) عرض موقع الخارجية الإسرائيلية الآية 34 من سورة « فصلت » ( وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ) يقول التفسير الإسرائيلي " إنه من الممكن أن يتحول العدو إلى أفضل الأصدقاء في يوم ما .وبالطبع فإن الفكرة والرسالة من التفسير الإسرائيلي لهذه الآية واضحة وهي محاولة اللعب على النص القرآني واللف حوله بترويج فكرة بسيطة لكنها تؤثر للأجيال القادمة وهي أن نكسر حدة الكراهية للصهاينة المحتلين مهما فعلوا بالشعب الفلسطيني وبالمقدسات الإسلامية لأنهم يمكن أن يكونوا يوما ما أصدقاء حميمين وودودين والدليل هو القرآن الكريم نفسه حسب زعمهم في تفسيرهم التربوي ذلك .ولقد كانت تلك الآية مجرد نموذج و لا نعلم كيف تناول الكتاب أو المشروع الصهيوني هذ ه الآيات القرآنية التي تناولت اليهود وتاريخهم ومؤامراتهم ولا نعلم كيف تناولت آيات الجهاد في سبيل الله وهو الموضوع الذي يؤرق الجميع – بعض المسلمين وغير المسلمين - ويتمنون أن يلغوه من (القرآن الكريم) الذي وعد الله بحفظه ولكن المؤكد أن الموقع سيكون تكملة للإسرائيليات التي دخلت في تفاسير (القرآن الكريم) وفي الأحاديث النبوية الشريفة .وزعمت وزارة الخارجية الإسرائيلية على موقعها الإلكتروني أن (قرآنت) يعتبر بمثابة جسر يربط بين العالم الإسلامي والغرب كما أنه أداة تعليمية تكشف عن جمال القرآن الكريم ومدى احترامه لكرامة الإنسان وذلك على أمل إيجاد مجتمعات من مختلف أنحاء العالم ذات اهتمامات واحدة والتقريب بين الثقافات المختلفة - على حد زعمها-
2
وإذا كانت إسرائيل قد أطلقت الآن تفسيرها للقرآن الكريم بما يتماشى مع رغباتها وسياساتها فإنها بذلك لم تأت بجديد فقد أعادت إلى الأذهان ما قام به (بنو إسرائيل) من دس الأساطير والقصص في التفاسير والأحاديث النبوية بهدف إفساد عقائد المسلمين وذلك بما حتوته تلك الإسرائيليات من أباطيل وخرافات نسب الكثير منها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وإلى الصحابة واتخذها بعض المشتغلين بالتفسيرمادة يشرحون بها بعض نصوص (القرآن الكريم) . ويرى العلماء أن الإسرائيليات تشكل خطرا بالغا وشرا مستطيرا على الإسلام النظيف والصافي لأنها تفسد عقائد المسلمين بما انطوت عليه من تشبيه وتجسيم لله سبحانه وتعالى ووصفه بما لا يليق بجلاله وكماله و تصور الدين الإسلامي كأنه دين خرافي لا يتماشى مع العقل والمنطق كما يرى العلماء أن كثيرا من الإسرائيليات كادت أن تصرف الناس عن الغرض الذي أنزل (القرآن الكريم) من أجله وتلهيهم عن التدبر في آياته .وهناك الكثير من كتب التفاسير اشتهرت بكثرة الإسرائيليات فيها كتفسير (الطبري) وتفسير (الحافظ بن كثير) وغيرها من التفاسير حيث يرى الأستاذ سعد عبد المطلب العدل في مؤلفاته أن هذه التفاسير حوت في جنباتها من الإسرائيليات كل عجيب وعجيبة واستوى في ذلك تفاسير المتقدمين والمتأخرين والمتساهلين على تفاوت بينهما في ذلك قلة وكثرة وكلها فيها جانب الخطورة على عقول المسلمين وعقائدهم ، وتتضاعف تلك الخطورة يوما بعد يوم بسبب الشهرة العلمية الواسعة لمؤلفيها . وهناك من يستغل هذه التفاسير والإسرائيليات الواردة فيها مثل (زكريا بطرس) في قناة (الحياة) على (الهوت بيرد) الذي يعتمد اعتمادا كليا على تلك الكتب في هجومه العنيف ضد الإسلام ورسول الإسلام - صلى الله عليه وسلم- وضد القرآن الكريم .
3
لقد تزامن الإعلان عن الاستعداد لإطلاق موقع (قرآنت) مع إعلان وزارة الخارجية الإسرائيلية عن افتتاح المجلس اليهودي الأمريكي موقعا جديدا باللغة العربية حول اليهود والديانة اليهودية يحمل اسم ( أصل اليهود ) حيث يهدف الموقع إلى نشر الإدراك الأعمق والتسامح تجاه اليهود ويهدف إلى تفنيد المعلومات المضللة – كما تقول مديرة الموقع – عن الشعب اليهودي المنتشرة انتشارا واسعا في الشرق الأوسط ودول المغرب العربي.إن إسرائيل تستغل الآن وسيلة (الإنترنيت) للوصول إلى الشعوب العربية بعدما أصبحت وسيلة أساسية للتواصل والتخاطب وتلقي المعلومات وبعدما أكدت الدراسات أن (الإنترنيت) أصبح أكثر وأسرع وصولا إلى المتلقي من الوسائل الأخرى بعد أن نجحت في جعل القنوات العربية كلها قنوات غناء ورقص ، ولكن هذا لا يدل على أن إسرائيل بدأت الآن فقط في استغلال هذه التكنولوجيا بل هناك مواقع عربية وإسلامية مشبوهة تتخذ من الإسلام ومن (لقرآن الكريم) والأحاديث النبوية شعارا لها ولكن في حقيقتها تقصد إلى الإساءة إلى الإسلام ومن هذه المواقع على سبيل المثال لا الحصر موقع يحمل اسم (الفاروق ) والذي يطعن في الخلفاء الراشدين وأمهات المؤمنين ويتخذ من الإسلام شعارا ، ومن يغوص في أعماقه لا يمكن أبدا أن يؤمن بأن أصحاب الموقع مسلمون ، وهناك موقع آخر يحمل اسم (الإباضية) وهو مليء بالأكاذيب والافتراءات التي لا يقبلها عقل أو منطق سليم .ولم يستطع المسلمون أن ينتفعوا ويستغلوا هذه التكنولوجيا لصالح الإسلام والمسلمين لكنهم استغلوها في التناحر والتنابز بالألقاب لدرجة أن المرء يصاب بغثيان من النوع الثقيل عندما يبحر في منتديات الحوار العربية والإسلامية فهذا يتهم الآخر بأنه (ناصبي) وهذا يتهم الآخر بأنه(رافضي) وذاك يتهم الآخر بأنه (خارجي) وآخر يتهم الآخر بأنه (حشوي) ، وكل ذلك لصالح من يرسم الخطط فقط ونحن غافلون وكأن الواحد قد ملك الحقيقة كلها وملك الحق كله .
4
إن واجبنا الديني والوطني والقومي يحتم علينا ضرورة اليقطة والانتباه إلى المؤامرات التي تحاك ضد الأمة باحتلال العقول وتغيير المفاهيم والعمل على إنشاء جيل وطني صالح مؤمن بدينه وبوطنه ويكون محصنا تحصينا جيدا ضد الغزو الفكري ، والدور الكبير في ذلك يقع على العلماء الصادقين المخلصين وعلى وسائل الإعلام ويجب أن يعاد الدور إلى المساجد
نشر المقال في 1 يوليو 2008م في جريدة الشبيبة العمانية
No comments:
Post a Comment