زاهر بن حارث المحروقي
كاتب عماني
1
قد أحسن القمريون الظن في العرب وفي جامعة دولهم ، لذا ظلوا لسنوات عديدة يطلبون الانضمام إلى الجامعة ومنذ فترات مبكرة من استقلالهم عن فرنسا ، ظانين أن روابط العقيدة والدم والتاريخ يمكن أن تشفع لهم ومن ثم يمكن أن ينالوا من وراء انضمامهم إلى الجامعة خيرا كثيرا ولكن كل ما أملوه ذهب مع الريح هباء منثوراوقد استغل القمريون كل مناسبة لعرض قضية بلادهم ورغبتهم في المساعدة العربية لرد جزيرة مايوتي من الاستعمار الفرنسي ولعرض مطالبهم وحاجياتهم البسيطة أمام أشقائهم وهي مطالب بسيطة جدا كبناء المدارس والمستشفيات والمساعدة في إنشاء شبكة الاتصالات والخدمات بل حتى الطلب للمساعدة في فتح إذاعة وتليفزيون وإنشاء صحيفة عربية واحدة على الأقل تخاطب قراءها بالعربية ، ورغم مرور أكثر من 15 سنة على انضمام جزر القمر إلى الجامعة فإن أحلام القمريين قد تبخرت في الحصول على أي مساعدة تعينهم على إنشاء دولة حديثة ، كما أن أحلامهم في تحرير جزيرة مايوتي من الاستعمار الفرنسي بدأت تتضاءل ولكن التمسك بالأمل هو الذي جعل الرئيس أحمد عبدالله سامبي رئيس جمهورية القمر الاتحادية يطرح الموضوع علنا على القمة العربية في دمشق شهر مارس الماضي.
2
عندما بدأت الحقيقة تظهر جلية أمام القمريين أن دخولهم إلى الجامعة لم يكن مغنما ، التقى وزير خارجية جمهورية القمر مع وزير الخارجية الإسرائيلي وقد يكون اللقاء جاء مصادفة كما يقال عن كل لقاء عربي وإسلامي مع الجانب الإسرائيلي وعن كل قبلات تتم بين الجانبين ، ولكن اللقاء لم يمر بسلام أبدا فقد ثارت ضجة كبرى في الوطن العربي ولم تهدأ حتى اضطر الأمين العام لجامعة الدول العربية أن يلتقي المسؤولين في جمهورية القمر وقدموا اعتذارا رسميا على ذلك ، في وقت تتم فيه اللقاءات العربية الإسرائيلية على أعلى المستويات ولا يتكلم أحد ، كما أن الرئيس الفلسطيني نفسه محمود عباس أصبح هو العراب الذي يقدم الطرفين لبعضهما البعض كما حدث بين جلال طالباني وبين يهود باراك ، ومن شاهد اللقاء ودقق في الصورة يعرف تماما أن بين الاثنين مودة وأن العلاقة قديمة لأن الجليد كان قد ذاب من فترة ولم يكن المخدوع إلا العراب الذي يقف بينهماأقول كلاما وفي قلبي أسى وفي حلقي غصة ، ماذا لو تحدت جمهورية القمر الضجة العربية وواصلت علاقاتها بإسرائيل ألم تكن قد استفادت اقتصاديا وزراعيا وعمرانيا وعسكريا ؟ ماذا لو تحدت جمهورية القمر العرب وأقامت تلك العلاقات ألم تكن جزيرة مايوتي عائدة إلى السيادة القمرية ؟ إن واقع العرب مع جمهورية القمر يشبه المثل العامي ( لا يرحم ولا يخلي رحمة الله تنزل ) لأن الوضع سيىء جدا ولا تملك الحكومة النفقات الضرورية ولا تستطيع أن تدير إلا ثلاث سفارات في الخارج ، بمعنى آخر أن أساسيات الدولة مفقودة لدرجة أن مرتزقا فرنسيا كان ضابطا في المخابرات الفرنسية يدعى ( بوب دينار ) استأجر طائرة من جنوب أفريقيا و50 شخصا من المرتزقة وطار إلى موروني عاصمة جزر القمر وأقام فيها انقلابا عسكريا ، ولله الحمد أنه كان دينارا واحدا فقط فكيف لو كان أكثر من دينار وأكثر من 50 فلسا ؟! وفي الشهر الماضي زار رئيس جمهورية القمر الاتحادية إيران فهل سنسمع ضجة أخرى إذا قدمت إيران مساعدات لجزر القمر بحجة أن إيران شيعية وأن لإيران أجندة تلعبها ؟ فأين الآخرون ؟
3
لقد عاد اسم جمهورية القمر الاتحادية إلى الواجهة منذ نهاية الشهر الماضي عندما رفض مجلس النواب هناك مشروع قانون بمنح الجنسية لأربعة آلاف عائلة ممن يسمون بالبدون تسكن في كل من دولة الإمارات العربية المتحدة والكويت والسعودية وذلك مقابل مئة مليون دولارويحسب للبرلمان القمري هذا الرفض كما يحسب للمعارضة أيضا التي قالت إن الجنسية القمرية ليست معروضة للبيع في المزاد العلني إنه موقف وطني شريف رغم الفقر والفاقة والحاجة ، وهذا درس في الوطنية تعطيه جزر القمر للآخرين ، لأن إعطاء مساعدة هل يحتاج إلى مقابل صعب ؟ إن هذا الخبر الصغير يحتاج إلى كتابات عديدة للغوص في التفاصيل و أكتفي فقط بطرح الأسئلة لعل الوقت يسعفني في مناقشة الموضوع مناقشة مستفيضة أو لعل من هو خير وأدرى مني يتناول هذا الموضوع ، و الأسئلة التي تدور في الخاطر هي- ما المانع من إعطاء هذه العائلات الجنسية في الأوطان التي ولدوا وعاشوا فيها ، وهل المشكلة تكمن في هذه العائلات العربية ، والجنسية الخليجية أصبحت تعطى لمن يستحقها ولا يستحقها لمجرد أنه يملك المال أو لمجرد وجود مصالح معينة ؟ - ألا توجد مشكلة تؤرق متخذي القرار في دول الخليج العربية من خطر خلل التركيبة السكانية مستقبلا على أهل ولغة وثقافة المنطقة ؟- ألم تظهر الآن خطورة العمالة الآسيوية في المنطقة بعد أن شهدت دولتان على الأقل في هذا العام مظاهرات صاخبة واضرابات أدت إلى تدمير الممتلكات العامة ؟!- ثم ألم يحذر الدكتور عبد الله النفيسي من خلال قناة الجزيرة من خطر بيع الأراضي والشواطيء من الكويت إلى السلطنة للأجانب وهم يشترونها على حساب المواطنين ! أليس ذلك أخطر من الاستعمار المباشر وهل جاء ذلك صدفة ؟ وهل هناك من انتبه إلى خطورة ذلك مستقبلا على الأجيال ؟- والسؤال الصعب هل يجب علينا أن نقدم مساعدات لدولة عربية مقابل شروط صعبة في الوقت الذي نجد فيه أن الأنباء قد ذكرت أن الرئيس الأمريكي جورج بوش عندما زار دول المنطقة أعطي مساعدات مالية من دولة واحدة بلغت 300 مليار دولار ومن دولة أخرى بلغت 80 مليار دولار لمساعدة الخزينة الأمريكية المثقلة بالأعباء ! والسؤال يعطى هذه المبالغ مقابل ماذا ؟ هل مقابل تدمير أفغانستان والعراق ومساندة إسرائيل عدو العرب الأزلي ؟
4
في عام 1997 ترأست الوفد الإعلامي ضمن بعثة الحج العمانية ، وفي حفل عشاء رسمي أقامه العاهل السعودي الراحل الملك فهد في قصر السلام بجدة ، لفت نظري شاب أبيض يرتدي الدشداشة العمانية ولكنه كان يلبس الطاقية ( الكمة ) مما أثار تساؤلات في نفسي فسألته من أنت فقال لي إنه سفير جزر القمر في الأمم المتحدة ، فسألته هل هي القمر بضم القاف أو بفتحها ، فقال لي غريب أن أسمع هذا السؤال من عماني ولو أني سمعته من آخر ربما كان الأمر عاديا ، لأن العمانيين الأوائل الذين وصلوا إلى تلك المنطقة بسفنهم هم الذين سموها جزر القمر بفتح القاف لأنها كانت تبدو لهم من بعيد متلألئة مثل القمر عندما يكون بدرا وذلك لانعكاس ضوء القمر عليها فكانوا يفرحون عندها بوصولهم إلى نهاية رحلتهم ، ثم جاء المستعمرون الفرنسيون فحوّروا الكلمة من قمر إلى ( كومورو ) وهكذا أصبحت تكتب وتنطق ثم أصبح العرب أنفسهم ينقلون الكلمة عن الفرنسية ، لكن التسمية الأصلية هي بفتح القاف ثم أخذ السفير يمتدح جلالة السلطان المعظم والموقف العماني من انضمام جزر القمر إلى الجامعة ، واستعرض التاريخ العماني هناك وأن هناك من حكم جزر القمر من أصول عمانية منهم رجل عماني من قبيلة المناذرة ، وهو ما أشار إليه سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي مفتي عام السلطنة في محاضرة ألقاها في النادي الثقافي في سبتمبر 1994 ، وهناك جزيرة من الجزر الرئيسية هناك تسمى محليا جزيرة ( نزواني ) المعروفة باسم انجوان ومع مرور الأيام قد يختفي اسم نزواني كما اختفت كثير من الأسماء العمانية وقد حكى لي سفير جزر القمر في الأمم المتحدة معاناة جمهوريتهم مع العرب إذ قال إن وزير خارجيتهم أراد أن يزور دولة عربية فتأخرت التأشيرة أكثر من سنتين ، وأنهم أرادوا بناء مدرسة وتكاليفها يستطيع أن يتحملها أي تاجر عربي لكن المسألة تأخرت كثيرا بين المخاطبات ، وقد طلب مني أن أبلغ المسؤولين في وزارة الإعلام برغبتهم في أن يتدرب عندنا بعض المذيعين وكتبت تقريرا بذلك إلى المسؤولين وشرحت لهم فيها كل النقاط التي دارت بيننا وقد استجابوا لذلك وتمت المخاطبات بين الدولتين لحضور مذيعين من جزر القمر إلى دورة تدريبية أقيمت في صلالة ، لكن حتى هذه لم تتم نظرا لظروف الطيران الصعبة من وإلى جزر القمر
5
عودة إلى البدء ، لقد تم عرض تجنيس 4 آلاف عائلة عربية في جزر القمر بهدف جذب المستثمرين الأجانب إلى قطاع العقارات هناك فلماذا لا نستغل نحن هذه الظروف وتتوجه الدولة ورجال الأعمال إلى الاستثمار هناك وهو أمر متاح ؟ لماذا نترك الآخرين يستغلون مناطق نفوذنا التقليدية منذ قديم الزمان ونحن نغيب عنها ؟ ثم لماذا نلجأ إلى إنشاء مجمعات سكنية سياحية في بلادنا ويملكها الأجانب ولا يستطيع العماني أن يقترب منها ، بدلا من أن نمتلك نحن هذه المجمعات في الخارج ؟ وما هو المردود الذي يمكن أن يعود للمواطنين حاضرا ومستقبلا من بيع الشواطيء العمانية ؟لقد قال يوما رئيس زنجبار لخالي حمد رحمه الله إن هذه منطقتكم ولكنكم تأخرتم كثيرا فجاء الآخرون واستفادوا منها والتاريخ لا ينتظر أبدا ، فهل نكرر المسألة مرة أخرى وفي مكان آخر ؟
منشورة في جريدة الشبيبة العمانية في 12 أغسطس 2008م
No comments:
Post a Comment