زاهر بن حارث المحروقي
كاتب عماني
1
ربما يكون الاتهام الأمريكي للدول الخليجية بالاتجار بالبشر هو الشرارة الأولى لحريق كبير في المنطقة يلتهم الأخضر واليابس ، ولكن يجب على حكوماتنا وعلينا كشعوب ألا نجعل من ذلك الاتهام شرارة أولى بقدر ما نستفيد منه كناقوس للخطر.لقد سارعت الدول الخليجية في عقد الندوات وفي سن القوانين محاولة منها لإبعاد التهمة عنها لكن لم يكن ذلك إلا شكليات فقط دون المساس بالجوهر، لأن منطقة الخليج لها خصوصيتها باعتبارها منطقة جاذبة للقوى العاملة الوافدة بكثرة ، نظرا لدخل النفط المرتفع فيها ونظرا للطفرة العمرانية الكبيرة، هذا إذا لم نتناول الأسباب السياسية الأخرى التي قد لا تبدو واضحة للعيان وأيضا ترّفع أبناء المنطقة عن بعض الأعمال ، ومن هنا جاء وصف الاتهام الأمريكي بالشرارة ، لأنه قد يكون السبب المباشر في الإضرابات والاحتجاجات التي تمت في ثلاث دول من دول المنطقة في فترات متقاربة شهدت عنفا كبيرا تخطى كل الحدود.
2
قد يكون الوضع في السلطنة أفضل بكثير من بعض الدول الشقيقة لكن ليس معنى ذلك أننا بعيدون عن الخطر إذا لم ننتبه إلى ذلك ونحاول أن نضع الحلول قبل أن تستفحل المشكلة ، فالإحصائيات الرسمية لدى وزارة القوى العاملة تقول إن عدد القوى العاملة الوافدة قد ارتفع الآن إلى 900 ألف نسمة وأن العدد مرشح للزيادة إلى مليون شخص خلال السنتين المقبلتين ، وهنا تطرح قضية تعمين الوظائف والمهن من جديد باعتبار أن فرص العمل موجودة وأن كلمة "البحث عن عمل" كلمة مصطنعة - كما أشار إلى ذلك جلالة السلطان المعظم - فكيف يكون عندنا باحثين عن عمل في وقت نرى أن سوق العمل قد استوعب ما يقرب من مليون عامل وافد ؟
إن العديد من الشباب الباحثين عن عمل يرغبون في العمل في القطاع الحكومي - وهذا حقهم طبعا - لكن هذا القطاع أصبح لا يستوعب الكل فلم يبق إلا القطاع الخاص والعمل الحر.وقد أثبتت الأيام الماضية أن الإنسان العماني يعمل في كل القطاعات عكس أشقائه، ولكن تبقى هناك مشكلتان تعوقان الشباب من الالتحاق بالعمل في القطاع الخاص وهما مشكلة قلة الراتب مع غلاء المعيشة طبعا، وعدم وجود ضمان كامل لمستقبل جيد إلا في بعض القطاعات ، وهناك بعض السلبيات التي يذكرها العاملون في القطاع الخاص منها أن هناك بعض الشركات كما - يقال - توقّع العامل أو الموظف على أنه يستلم راتبا قدره 120 ريالا لكنه في الحقيقة يستلم 80 ريالا فقط، وهناك الكثير من التجاوزات التي نسمع عنها قد لا تستوعبها مقالتي هذه ، فالمطلوب أن يكون القطاع الخاص قطاعا جاذبا للشباب العماني بأن يهيئ له ظروف العمل المناسبة من حيث الراتب والراحة النفسية وألا يجد اهانات هو في غنى عنها لأن ما يقال عن الاهانات التي يتلقاها العماني في القطاع الخاص تزكم الأنوف خاصة إذا كان رئيسه من الجنسيات الآسيوية ، كما يجب أن تكون هناك إجراءات تشجيعية كإعطاء إجازة يومين بدلا من يوم كما حصل مع البنوك لأن ذلك من الأسباب الجاذبة للشباب للعمل في القطاع الخاص.
ومن ناحية أخرى يجب على الشاب العماني أيضا أن يكون مخلصا في عمله وفي إنتاجه حتى لا يعطي مبررا للتشكيك في قدراته وأن يثبت أنه جدير بالثقة لأن عدم الإخلاص في العمل يجعل من البعض أن يقول لقد خسرنا الكثير عندما تم تعمين المهن ، بمعنى يجب أن تكون العلاقة بين الطرفين صحية وحميمة وجيدة بحيث يستفيد منها صاحب العمل ويستفيد منها العامل أو الموظف العماني.
وأنا أعتقد أن العامل أو الموظف في القطاع الخاص لا يقل أبدا عن الجندي الذي يقف في الثغور مدافعا عن البلد ، لأنه بعمله هذا في القطاع الخاص وبإخلاصه في العمل يكون قد أبعدنا وأبعد البلد عن خطر جسيم وحقيقي ، فنحن لا نريد أن نرى مشاكل الآخرين قد وصلت إلينا ولا أظن أننا نملك قدرات التصدي لها ، والدليل هو هروب أكثر من 70 ألف عامل حسب الإحصاءات الرسمية فالدولة تجد صعوبة كبرى في الحصول عليهم وحتى إذا حصلت عليهم فهي لا تملك المكان الذي تؤويهم فيه بل ستتكفل بمصاريف إطعامهم مما يشكل عبئا جديدا عليها على حساب أشياء أخرى. ولا يوجد للأسف عقاب رادع لأي عامل هرب من عمله ، بل إن المواطن هو الذي سيتحمل تبعات ذلك الهرب بنشره إعلانا في الجريدة ثم بتسفيره للهارب على نفقته وقد يعود ذلك العامل أو تلك العاملة إلى البلد بعد فترة قليلة ، وحقيقة عدم وجود قانون رادع للهاربين أصبح معروفا للقوى العاملة الوافدة مما سهل من عملية الهرب ، بل إن بعض السفارات تتولى حماية الهاربين بحيث يكونون في مكان آمن ، فالمرجو أن يسن قانون في ذلك كأن يحوّل كل هارب وكل من شغّل القوى العاملة هاربة إلى الإدعاء العام ومن ثم إلى المحكمة ، لعل في ذلك حلا أو بعض حل.
3
هناك كثير ممن يكتبون في منتديات الحوار رأوا أن تجارة البشر موجودة في السلطنة واستشهدوا بذلك أن كثيرا من الشركات تعامل عمالها الأجانب معاملة سيئة ، ونحن لا نريد أبدا أن تهان كرامة الإنسان في أي مكان وأيا كان ، وهذه دعوة لأصحاب هذه الشركات – إن كان ذلك صحيحا – أن يصححوا الأوضاع وأن يصححوا أوضاع العمال العمانيين لكن لا يجب أن نحّمل الحكومة وحدها المشكلة، فدور المواطن دور مهم في محاربة الاتجار بالبشر لأن هناك مصطلحات جديدة أصبحنا نسمعها همسا وهي بيع التأشيرات، وأن هناك من يكفل عمالا ويأخذ منهم أجرا شهريا دون أن يعلم ماذا يشتغلون أو أين يشتغلون ؟! بحيث رجّح مصلحته الشخصية على المصلحة العامة وأضر بالبلد من حيث يدري أو لا يدري ، وعندما تقوم مشكلة - لا سمح الله - سيكون هو أول ضحاياها ، وقد قال سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي المفتي العام للسلطنة من خلال إحدى حلقات برنامج سؤال أهل الذكر إن المبالغ التي يأخذها الكفيل من العامل الوافد دون أي عمل له هي حرام وهي استعباد للبشر.
وهناك مشكلة أخرى هي مشكلة هروب عاملات المنازل فلو أن إنسانا عمانيا لم يتعامل مع هذه العاملة ولم يتفق معها على الهرب هل كان لها أن تهرب؟ هناك أناس تخلوا عن كل الأخلاقيات والمبادئ وأصبحوا يتفقون مع عاملات المنازل على الهرب ويتولون هم تشغيلهن بأجر يومي ، بل الأمر تعدى ذلك إلى الاتجار بالجسد ، وهذا برضاء العاملة نفسها وليس بالإجبار لأن من تتاجر بجسدها تستطيع أن تكسب راتب شهر في ليلة، وهنا يمكن لنا أن نلوم من؟ وهل هنا يحق لأمريكا أن تتهم الحكومة بالاتجار بالبشر؟!
إن القضية الآن أصبحت قضية وطنية، لا خوفا من الاتهام الأمريكي ، بل خوفا على مستقبل الوطن فيجب أن تتضافر الجهود من الحكومة ومن المواطنين ومن الشركات الخاصة ونحسبها شركات وطنية لإعطاء المواطنين فرصة جيدة للعمل ، وللعمل على تقليل خطر القوى العاملة الوافدة، ويجب على الإنسان دائما أن يغلّب المصلحة العامة على المصلحة الخاصة فالوطنية تعمل ولا تتكلم ، كما أننا نتمنى عندما تسن الحكومة قانونا لمكافحة الاتجار بالبشر أن تراعي فيه مصلحة المواطن العماني لا أن تهتم فقط بالسمعة الخارجية لأن السواد الأعظم من المواطنين لا يملكون أكثر من عامل وأن يفرق القانون بين الشركات الكبيرة التي تملك الآلاف من العمال وبين الأفراد الذين لا يملكون غير عاملات منازل ان سائقين أو مزارعين ، وقد رددت هذه النقطة في مقالتين سابقتين كما أني ذكرتها مباشرة لمعالي الدكتور وزير القوى العاملة.
4
لقد سنت الحكومة قوانين لمصلحة الوطن والمواطن عندما عمّنت الكثير من المهن والوظائف، ولكن حتى هذه لقيت التحايل من المواطنين والوافدين ، وقد أصبحنا نرى سيارات نقل بأرقام خاصة يسوقها الوافدون ، كما أن خياطي الملابس في الكثير من الولايات التي تم تعمين هذه الوظيفة فيها انتقلوا إلى العمل في البيوت وكثير من مثل ذلك ، وهنا يقع اللوم على المواطنين الذي ساهموا وساعدوا على هذا الاحتيال، وإذا كنا ندعو المواطنين أن يتحملوا المسؤولية فمن باب أولى ندعو المسؤولين أن يكونوا القدوة في ذلك فالوطن هو وطن الجميع ، وعندما تقع كارثة - لا سمح الله - فإنها ستصيب الجميع وإن كانت بدرجات متفاوتة ، لأن هناك من يرى أن من الأسباب الرئيسية التي أدت إلى الثورة العمالية في بعض دول الخليج هو تصاعد دور (السياسيين - التجار) الذين يجمع الواحد منهم بين الموقع السياسي والنشاط الاقتصادي الأمر الذي أدى كثيرا إلى تضارب المصالح ومن ثم أدى إلى هضم حقوق العمال الأجانب مما أدى بالتالي إلى انطلاق الشرارة الأولى. إن بيدنا نحن أن نجعل من تلك الشرارة جرس إنذار ونعمل على تفادي الخطر ويجب على الكل أن يشترك في ذلك، ألا هل بلّغت؟ اللهم فاشهد
منشورة في جريدة الشبيبة العمانية في 19 أغسطس 2008م
No comments:
Post a Comment