زاهر بن حارث المحروقي
كاتب عماني
1
لقد قامت أمريكا بتدمير العراق وتشتيته على حساب الكيان الصهيوني في حرب سميت حربا بالوكالة عن إسرائيل وقام بها رئيس يأتمر بأمر إسرائيل وهناك بعض الإشارات لا تخفى على المتابع المدقق للوضع على الساحة الآن تؤكد هذه الحقيقة ، منها ما ورد في رواية " العملية هيبرون " لضابط المخبرات الأمريكي " إريك جوردان "
حسب الرواية يجتمع رئيس الوزراء الإسرائيلي مع أربعة من كبار المسؤولين الإسرائيليين منهم رئيس جهاز الموساد في مزرعة في حيفا والهدف هو انتخاب سيناتور جمهوري أمريكي عميل لإسرائيل رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية وهو يتلقى راتبا شهريا منتظما من الموساد منذ 20 عاما مقابل معلومات استخباراتية واختراقات للموسادفي هذا الاجتماع يقول رئيس الوزراء الإسرائيلي لأعضاء اللجنة ( إن قرارنا بترشيح هذا الرئيس سوف يؤثرعلى أمن أطفالكم وأحفادكم والأجيال القادمة من اليهود وإذا نجحت العملية " هيبرون " فإننا سوف نغير على نحو جذري من قدرتنا على السيطرة على السياسة الأمريكية لعقد من الزمان وخلال هذا العقد سوف نعد لترتيبات ومعاهدات متبادلة سوف تستمر لجيل إسرائيلي آخر لا كامب ديفيد أخرى ولا مفاوضات أوسلو أخرى ولا اتفاقيات واي أخرى )
ويقول رئيس الوزراء الإسرائيلي لمجتمعيه ( في المرة القادمة عندما يرفع دكتاتور العراق أو أي أحد آخر رأسه القبيح سوف نزيل هذا الوجه من على الخريطة أو بالأحرى سوف نحّمل رئيس الولايات المتحدة على بتره لحسابنا ، إننا في إسرائيل نريد رئيسا أمريكيا يأتمر بأمرنا وينفذ كل ما نصدره له من أوامر) ، وقد صدرت الرواية قبل الاحتلال الأمريكي للعراق وقبل إزالة الرئيس صدام حسين
و" إريك جوردان " أحد الذين عملوا لسنوات طويلة في أجهزة المخابرات الأمريكية منذ نهاية الخمسينيات من القرن الماضي وحتى أوائل الثمانينيات وقضى أكثر من نصف عمره في الشرق الأوسط فعرف خبايا السياسة وصناعة القرار في المنطقة وعمل مستشارا للرئيس الأمريكي رونالد ريجان فيما يخص العمليات الإرهابية في العالم لذا يكتسب كلامه أهمية بالغة ، والواقع يؤكد ما جاء في روايته تلك فإسرائيل الآن هي التي توجه سياسات الولايات المتحدة وقد أزالت أمريكا بالفعل رئيس العراق بل أزاحت العراق بالكامل من المعادلة العربية وتم فرض واقع جديد على الأرض يصب في المصلحة الإسرائيلية لسنوات قادمة ولم نعد نرى كامب ديفيد ولا واي ريفر ولا أوسلو أخرى
وقد بقي أمام إسرائيل مشكلة أخرى هي إيران لكن الوضع في الأرض واشتداد المقاومة في العراق ثم تمسك إيران بحقها في الدفاع عن نفسها كل ذلك أخّر حربا أمريكية كارثية أخرى في المنطقة مما أزعج الكيان الصهيوني باعتبار أن الرئيس الذي يأتمر بأمرها لم تبق له سوى أيام قليلة ويترك البيت الأبيض فما هو العمل ؟ هل تتولى إسرائيل المهمة وتدمر المنشآت النووية الإيرانية أو ينفذ المهمة الرئيس بوش قبل مغادرته البيت الأبيض ؟
2
أن تتولى إسرائيل مهمة تدمير المنشآت النووية الإيرانية بنفسها في الوقت الحالي تبدو أسهل من أن تتولى أمريكا ذلك ، نظرا للفشل الأمريكي في العراق أولا، ومواقف بعض الدول العربية الرافضة لضرب إيران ثانيا - ولو أن هذه ليست مهمة أمام الإدارة الأمريكية - ، وثالثا خوفا من تبعات ذلك على مصالح الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة وتهديد إيران بغلق معابر النفط – وهي طبعا معذورة في ذلك – وأيضا تهديدها بالرد الموجع والرهيب ، وإيران تملك أوراقا كثيرة في المنطقة يمكن أن تستغلها كأن تحرك الأمر ضد الاحتلال في العراق ببيان صغير للسيستاني يدعو فيه الشيعة لمقاومة الاحتلال الأمريكي ولاستهداف مصالح الولايات المتحدة في كل مكان
لذا فإن إسرائيل قد استعدت لذلك جيدا ونفذت تدريبات عسكرية واسعة شملت مناورات لغارات على منشآت إيران النووية والقصد منها تطوير القدرات العسكرية من أجل القيام بضربات عسكرية طويلة المدى ولإظهار الجدية التي تتعامل فيها إسرائيل مع الجهود النووية الإيرانية
وقد شاركت في المناورات العسكرية الإسرائيلية أكثر من 100 طائرة أف-16 وأف- 15 التي تمت فوق البحر المتوسط في أوائل يونيو الماضي وضمت المناورة أيضا مروحيات يمكن استخدامها لإنقاذ طيارين أسقطت طائراتهم ، وقد حلقت المروحيات وطائرات تزويد الوقود لمسافة 900 ميل وهي المسافة نفسها التي تفصل إسرائيل عن المفاعلات النووية الإيرانية خاصة منشأة ناتنز، فيما ذكرت الأنباء أن الطائرات الإسرائيلية تدربت في الأجواء العراقية وهي الممر الأساسي لمرور طائرات في حالة الإغارة
لقد وجهت إسرائيل بهذه المناورات رسالة إلى أمريكا أولا ثم إلى أوروبا وإلى الإيرانيين بأنه في حال فشل الجهود الدبلوماسية وإقناع إيران بالتخلي عن عمليات تخصيب اليورانيوم و إذا لم يتم تدمير القدرات النووية الإيرانية فإن إسرائيل جادة في القيام بعمل عسكري لتدميرها ، وقد أكد هذا التوجه شاؤول موفاز وزير النقل الإسرائيلي لصحيفة يديعوت أحرونوت عندما قال إنه لا خيار لإسرائيل إلا ضرب إيران في حال واصلت تطوير مشروعها النووي وإن الهجوم لا مفر منه
3
ولكن هل يئس الإسرائيليون من ضربة أمريكية لإيران أو أن الأمل لا زال يراودهم بأن يقوم بذلك الرئيس الذي يأتمر بأمرهم قبل مغادرته البيت الأبيض ؟ هناك سيناريو كتبه " آري شفيت " في جريدة هآرتس الإسرائيلية يوم 5/6/2008 تحت عنوان ( سيناريو من نتاج هوس جنوني أخير لإدارة دينية هذيانية – بوش يضرب إيران فجأة !) يتخيل فيه الكاتب أن يقوم الرئيس بوش بتوجيه ضربة لإيران في شهر يناير المقبل بعد أن يصبح السيناتور باراك أوباما الرئيس المنتخب للولايات المتحدة ، وستكون الضربة هجمة جوية شاملة على المشروع النووي الإيراني
4
ويرى الكاتب أن هذه الأيام ليست أياما طبيعية والأشخاص أصحاب العلاقة ليسوا أشخاصا طبيعيين وأن المنطق الذي يحرك بوش وديك تشيني هو منطق ليس مفهوما دائما للرأي العام في الغرب ولكن حسب منطقهما أنهما إن لم يتحركا فلن يقوم أوباما بالمهمة وإن لم يفعل أوباما فتصبح إيران دولة نووية وإن أصبحت كذلك فسينتصر الشر ، لذا كما يرى آري شفيت فإن هناك إمكانية حقيقية بأن ينهي بوش ولايته البائسة كرئيس للولايات المتحدة بضربة عسكرية صاخبة وليس بالهمسات ، وفي حال انتخاب جون ماكين لن تكون هناك حاجة لذلك
ويرى صاحب السيناريو أن على المدى الأبعد فإن السيناريو الخيالي هذا أفضل بالنسبة لإسرائيل ولأمريكا لأن إيران النووية ستشكل خطرا على وجود إسرائيل واستقرار الشرق الأوسط ورخاء الغرب حسب زعمه وفي المقابل فإن إيران بلا ذرة ستكون ضمانة لإسرائيل وتخفف من التطرف في الشرق الأوسط وتتيح للغرب بأن ينشر قيمه ونهج حياته على المدى الزمني
4
تشغل إيران الحكومة الإسرائيلية بأجهزتها كافة ويبدو ذلك أشد وضوحا في اهتمامات الصحافة الإسرائيلية حول الإدارة الأمريكية المقبلة وعلاقتها بالملف النووي الإيراني حيث كتب ايتمار آيخنر في صحيفة يديعوت احرونوت الشهر الماضي أن مجموعة من الباحثين في وزارة الخارجية الإسرائيلية أجرت دراسات عن السياسة الخارجية الأمريكية بعد الرئيس بوش – وكذلك تفعل الأمم الحية – توصلوا إلى أنه ليس لإسرائيل ما يبرر القلق سواء كان أوباما أم ماكين يجلس في البيت الأبيض فمكانة إسرائيل واليهود في الرأي العام وفي الكونجرس قوية جدا ولن تتضرر، وساد البحث إجماع على أن الإدارة الجديدة ستركز الاهتمام على العراق وإيران وكان التقدير أن كل إدارة ستفضل استنفاد المسار الدبلوماسي مع إيران قبل أن تختار الضربة العسكرية ، كما أن أوباما لا يستبعد إمكانية كهذه في نهاية المطاف
وكان الكاتب في صحيفة معاريف الإسرائيلية أريك بخّر قد كتب في اليوم الثاني لإعدام الرئيس صدام حسين ( لقد تخلصنا من البطل الرئيسي في الكابوس العراقي وربما أعطانا ذلك شعورا معينا بالارتياح وإغلاق الدائرة فإلى اللقاء في الكابوس الإيراني )
وسواء هاجم بوش إيران أو هاجمت إسرائيل إيران أو ترك ذلك للإدارة الأمريكية المقبلة فإن الشيء المؤكد هو أن من حق إيران أن تدافع عن نفسها بكل ما أوتيت من قوة وبأي طريقة تراها مناسبة وفي أي مكان تراه مناسبا - وهذا أيضا ما تفعله الأمم الحية - حتى وإن كان الأخ العقيد معمر القذافي يرى ألا طاقة لإيران للوقوف أمام أمريكا .!
منشورة في جريدة الشبيبة العمانية في 26 أغسطس 2008م
No comments:
Post a Comment