زاهر بن حارث المحروقي
كاتب عماني
1
لقد استطلعت وسائل الإعلام العالمية المختلفة آراء شعوب القارات المعمورة كلها في من يجب أن يرأس الولايات المتحدة ، وكان العرب من ضمن الشعوب التي استطلعت هذه الوسائل آراءهم وهل هم يفضلون ماكين أو أوباما ؟ وهذا شيء طبيعي جدا لأن من يجلس على كرسي البيت الأبيض فإنه يحكم الكرة الأرضية بغض النظر عن عرقه ولكننا كشعوب عربية اكتوينا بنيران الولايات المتحدة خاصة في عهد جورج بوش فإن رغباتنا تكون دائما مبنية على العواطف فقط ولسنا معذورين في ذلك ، وإلا فلا يوجد أي فرق بين جمهوري أو ديمقراطي حتى بالتقوى ! ولا يوجد أي فرق بين ماكين أو أوباما ، لأن السياسة تحكمها المصالح فقط ولا يوجد شيء اسمه أخلاق ، وفي حالة أمريكا بالذات فإن الأمر قد تشعب وهناك من استطاع أن يلعب بذكاء وأصبح له الكلمة العليا في اختيار الرؤساء وفي تحديد السياسات الأمريكية لسنوات مقبلة في ظل غياب العرب التام عن التأثير في سياسات الولايات المتحدة الأمريكية
2
لقد كانت منطقة الشرق الأوسط هي المنطقة التي تحدد بصورة كبيرة من هو الرئيس القادم للولايات المتحدة نظرا لأهميتها الاستراتيجية وبالذات أيام الحرب الباردة ونظرا لوجود النفط فيها ولأن موازين القوة أيضا في المنطقة كانت شبه متساوية بين العرب وإسرائيل قبل أن تنفرد إسرائيل بزعامة المنطقة بقوتها العسكرية الضاربة وبعلاقاتها الإستراتيجية مع دول العالم الآن ، وبتسابق العرب إلى تطبيق ما عرف بالتطبيع معها بسبب أو دون سبب .
وعندما كانت موازين القوة متقاربة وهناك قوة عالمية أخرى تنافس أمريكا وهي الاتحاد السوفييتي على النفوذ في المنطقة ، كانت الولايات المتحدة تتحرك بحساب دقيق وكانت تلوح بالمساعدات أكثر من التلويح بالعصا الغليظة التي أصبحت تستخدمها في كل مكان وكانت تبحث عن حل حقيقي للصراع العربي - الإسرائيلي خشية أن يسبقها إلى ذلك الاتحاد السوفييتي الذي كان حليفا مهما لبعض الدول العربية الرئيسية والمحورية ، ومن هنا كانت منطقة الشرق الأوسط - والعالم العربي في قلبها طبعا – لعبة كل رئيس أمريكي يريد أن يصل إلى البيت الأبيض ، ولكن الأمور تغيرت مع انطلاق الصيحة الشهيرة بأن 99 % من أوراق اللعبة في يد أمريكا ، ولم تكن تلك الصيحة استشرافا للمستقبل – كما يحب البعض أن يصور ذلك – وإنما كان ذلك يعني أن علينا أن نسلم كل الأوراق للولايات المتحدة وأن نعتمد عليها اعتمادا مطلقا في كل ما يخص الصراع العربي الإسرائيلي ، وذلك ما كان و الأمة الآن تجني ثمار ذلك التوجه .
ومع تلك الصيحة وانهيار الاتحاد السوفييتي وغياب زعامة مصر وظهور زعامات جديدة تحاول أن ترث الدور المصري القيادي والتاريخي وقد فشلت في ذلك طبعا بحكم التاريخ والجغرافيا ، انفردت بساحة المنطقة إسرائيل وأصبح لها الكلمة العليا وهذا أدى بدوره بأن تغير أمريكا من سياستها فأصبحت المنطقة مرعى لكل رئيس أمريكي جائع إلى الشعبية باستخدامها العضلات بدلا من المساعدات ، وأصبحت إسرائيل هي الوحيدة التي بيدها أن تقرر من سيجلس على الكرسي البيضاوي وكذلك أصبح رضا إسرائيل هو مطمع كل مترشح للرئاسة الأمريكية ، وأصبحت النغمة السائدة والمعروفة هي أن القدس عاصمة أبدية لإسرائيل ، وأصبحت زيارة تل أبيب مقررة لكل مترشح للرئاسة الأمريكية كما شاهدنا ذلك في ماكين و أوباما وهو يلبس القلنسوة اليهودية في رأسه وهو يدعو الله في حائط البراق أن يوفقه لخدمة أمريكا ولخدمة إسرائيل حتى وإن كان اسم والده ( حسين ) .
3
ليس مهما أن يكون سيد البيت الأبيض ماكين أو أوباما ، ولكن المهم هو ما ثقل العرب وما هي طلباتهم ورغباتهم ؟ وما هي وسائلهم في تحقيق هذه الرغبات ؟ من المثير والمدهش أننا – وأقصد بأننا هنا العرب طبعا – ساهمنا مساهمة فعلية دائما في فوز كل رئيس أمريكي وذلك بالدعم المالي المباشر تارة ، وبالسياسة تارة ، وبالوقوف مع القوات الأمريكية الغازية تارة ، بل وبالتآمر تارة أخرى ومما سبق وأن نشر في الصحافة العالمية في السنوات الثلاثين الماضية فإن اللوبي الصهيوني استطاع أن يستغل الأموال العربية لدعم المرشح الإسرائيلي ، والعرب على أوهام أن ذلك سيكون عدوا لإسرائيل أو على الأقل مؤيدا للقضايا العربية ، وهناك الكثير مما نشر في ذلك ولكن المقام لا يتسع هنا لنشر كل التفاصيل – خاصة أن هناك من قال لي إن مقالاتي طويلة ولا تجد من يقرأها وإني أشتت القارئ بكثرة الاستطرادات - ، وهناك من الرؤساء الأمريكيين من استغل المنطقة بأن ظهر أمام شعبه بأنه بطل للسلام ويسعى إلى تحقيق مصالحة عربية إسرائيلية واستفاد من ذلك ولكن سنوات حكمه انتهت والقضية جامدة ، بل تراجعت إلى الوراء كثيرا وأصبحت إسرائيل تغتال الفلسطينيين وتقتل كل القيادات التاريخية ولا يجرؤ أحد على الكلام .
وأحد الأمثلة أذكر الرئيس جيمي كارتر الذي ارتبط ارتباطا وثيقا بقضية الشرق الأوسط وهو بطل كامب ديفيد الأولى التي جمعته والرئيس الراحل السادات ورئيس وزراء إسرائيل بيجن ، عندما أحس أن حظوظه في الرئاسة للمرة الثانية مهددة فإنه طلب من مصر أن تقدم تنازلات لإسرائيل حتى يفوز بالرئاسة الأمريكية للمرة الثانية وعندها سيكون متحررا من قوة جماعات الضغط الصهيوني ، واستجاب له الرئيس السادات وقال لمرافقيه من الوفد المصري في كامب ديفيد ( إن كارتر وعدني .. أساعده هذه المرة ، ويساعدني في المرة القادمة ) ، والقصة رواها إبراهيم محمد كامل وزير خارجية مصر الذي استقال احتجاجا على تلك التنازلات ، ولكن كارتر لم ينجح في المرة القادمة ، وبالتالي فإن العرب أعطوا بدون مقابل وإسرائيل تسلمت بدون أن تدفع
وأمريكا لم تف بوعدها ، وهذه هي حال الذين لا يستفيدون من الدروس دائما ، وهناك الكثير مثل هذه القصة حيث شاركت الدول العربية في انتخاب الرئيس الأمريكي بالمال وبالسياسة ، بل بلغ الأمر بأن تتآمر الدول العربية على بعضها البعض في سبيل نيل الرضا الأمريكي ، ووصل الأمر بالبعض أن يطلب من أمريكا أن تتخلص من الرئيس صدام حسين ، كما وصل بالبعض أن يطلب ضرب سوريا ، لكن الرضا الأمريكي لم يأت بل ذهب إلى مكان آخر .
4
إن الحقيقة المؤلمة هي أن المنطقة العربية كانت مسرحا لمصالح وصراعات كبيرة لكنها تواضعت لتصبح مسرحا استعراضيا لمطالب ذاتية سهلة سواء للرؤساء الأمريكيين أو للإدارات الأمريكية ويرى الأستاذ محمد حسنين هيكل أن أصعب ما في الموضوع أن المنطقة تعرف أنها تستخدم وتستغل لهذه المطالب الذاتية ، يشعر بذلك الرأي العام مما يقرأه ويسمعه ويحس به ، كما يراه ساسته في المنطقة رأي العين ، والمشكلة أن هذا الوضع كفيل بإحداث استفزازات – إلى درجة الإهانة – قد لا تبدو آثارها الآن ، لكن تعقيدات المستقبل سوف تزداد على وجه اليقين بسببها .
ويرى الأستاذ هيكل أن هذه الاستفزازات والتعقيدات تصب كلها لصالح التيارات الإسلامية المقاتلة التي يمكن لها أن تضيف عنصر الكرامة إلى عنصر الإيمان في محاولتها لتعبئة جماهير لا تزال أغلبيتها بعيدة عن التعصب إن الأستاذ هيكل يرد على كثير من الأسئلة المطروحة والتي تبحث عن إجابة وذلك في مقالة نشرها في جريدة ( يوميوري شيمبون ) اليابانية تحت عنوان ( الشرق الأوسط لعبة كل رئيس أمريكي ) وذلك في 25/12/1994 ، فمن يرى أن هناك تعصبا لدى الشباب في المنطقة عليه أن يبحث الأسباب ومن يهتم بانتشار الفكر الجهادي لدى الشباب عليه أن يبحث عن الأسباب ، ومن يهتم بالكرامة المفقودة عليه أن يبحث في الأسباب ، ومن ثم لا يمكن أن يلام شباب الأمة وهم يبحثون عن الكرامة حتى وإن أخطأوا سبل الوصول إليها لأن رفع شعار الكرامة والكرامة غائبة لا يمكن أن يخدع أحدا ، فليس بالشعارات وحدها يمكن أن يعيش الشباب العربي .
والمسألة ببساطة ، كلما زادت أمريكا من إهاناتها للعرب وكلما ظهر العجز العربي الرسمي عن الرد اتجه شباب الأمة إلى البحث عن الكرامة ، وهو لا يجدها الآن إلا في الجماعات الإسلامية على علاتها ، وفي مقدمتها بالتأكيد فكر القاعدة ، وذلك بعد أن اختفى الفكر القومي الذي حمل لواء العزة والكرامة لسنوات طويلة وحقق انجازات تحسب له إن الأمة عندما تكون قوية ومتحدة وتأخذ بأسباب الكرامة الحقيقية وتعرف هدفها جيدا ثم تستطيع أن تؤمّن الوسائل التي بها تحقق هدفها فإنه لا يهم أن يكون من هو سيد البيت الأبيض بوش أو ماكين أو أوباما ، جمهوري أو ديمقراطي أو غير ذلك لأن المهم هو حجم ثقلنا ودرونا وفوق كل ذلك كرامتنا .
نشرت في جريدة الشبيبة العمانية في 11 نوفمبر 2008
No comments:
Post a Comment