زاهر بن حارث المحروقي
كاتب عماني
1
لا يعرف قيمة الصحة أو قيمة السمع أو البصر أو الشبع أو الأمن والاستقرار وغير ذلك من النعم إلا من يفقدها ، وفي تلك اللحظة يتمنى لو أنه عرف قيمة ما كان يملك .
وحمد الله وشكره واجب على كل مواطن عماني على ما تنعم به بلادنا من أمن واستقرار وهدوء وبالتالي فإن الواجب يتطلب من الجميع العمل على الحفاظ على هذه النعمة لأجل مستقبل أفضل لنا ولأجيالنا الجديدة التي تحدق بها المخاطر من كل صوب ويتساوى في هذا الواجب الكل سواء من كان علي كرسي المسؤولية أو المواطن العادي رجلا كان أو امرأة لأن الوطن ملك للجميع وعندما تأتي كارثة لا سمح الله فإنها تصيب الجميع وبالمقابل فعندما يأتي الخير يجب أن يعم الجميع وفي الحالتين فإن نعمة الأمن والاستقرار والهدوء والطمأنينة تنال الكل
ليس معنى هذا أننا وطن الملائكة وأن التجربة العمانية مرت دون أخطاء أو عقبات وليس معنى هذا أن الشعب العماني شعب الله المختار ، فمنا الصالحون ومنا دون ذلك ولكن المقصود بهذا الكلام هو أن الأمن والاستقرار اللذين نعيشهما من أجلّ نعم الله علينا لأن سمة الاعتدال والوسطية في كل شيء والتسامح كانت من أبرز صفات العمانيين وهذا بدوره أدى إلى الحفاظ على الهوية العمانية العربية والإسلامية وأدى بدوره إلى أن نكون مجتمعا متحابا
تجمعنا عقيدة واحدة وهدف واحد ويجمعنا وطن واحد نعيش على خيراته ولا تفرق بيننا نعرات طائفية أو عرقية أو مذهبية أو قبلية بشهادة الجميع وهكذا تربينا وهكذا عشنا
2
هناك إشادات كثيرة - من كثيرين ممن زاروا السلطنة أو عاشوا فيها - بالوحدة الوطنية وبالأمن والاستقرار والهدوء الذي تنعم به عمان وبنبذ التعصب والعنصرية
لعل أبرز هذه الإشادات مؤخرا ما كتبه الدكتور عبد الله القتم في جريدة القبس الكويتية الشهر الماضي بأنه عندما يزور مسقط يأتي ثلاثة أصدقاء لاستقباله من مذاهب إسلامية مختلفة سني وشيعي وإباضي وأنه يجدهم على خير ما يرام من الانسجام والألفة والمحبة لا ينبذ أحدهم الآخر بشيء ولا ينظر أحدهم إلى الآخر نظرة دونية فهم جميعا أخوة متعاونون ومتحابون
لأن سياسة جلالة السلطان المعظم – كما يرى الدكتور عبد الله القتم – سحبت البساط من تحت أرجل المتعصبين والطائفيين فلا تسمع صوتا نشازا يضرب على وتر الطائفية والتعصب فلكل مذهب مكانة في الدولة ولكل أتباع مذهب مكان في بناء الدولة ، لذا نبذ الشعب العماني بمعظمه التعصب والتطرف
ويصف الدكتور عبد الله ، سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي مفتي عام السلطنة بأنه رجل متفتح يأخذ من جميع المذاهب ويستشير علماء المذاهب الأخرى ولا ينزوي بمذهبه عن المذاهب الأخرى ولا يستصغر شأن المذاهب الأخرى مستقويا بسلطة الدولة
ويرى الدكتور القتم أن سياسة جلالة السلطان المعظم أثمرت توحيد العمانيين وظهر ذلك جليا في الأزمة التي مرت بها السلطنة عندما تعرضت لإعصار ، فكانت وحدة الشعب العماني مثار إعجاب العالم وتعاونوا على البر والتقوى . فلم يسأل الجار عن مذهب جاره وانهالت المساعدات من جميع العمانيين إلى المتضررين من دون أن يسأل أحد عن مذهب هذا أو ذاك ، فكانت سياسة السلطنة صهر جميع المواطنين في بوتقة واحدة كل يقدم خبرته وكفاءته ، رائدهم رفعة بلادهم وازدهارها ، لا أن يقدم المذهب الذي ينتمي إليه ويضرب على وتر الطائفية.ويتساءل الكاتب لماذا لا تقتدي دول مجلس التعاون بسياسة السلطنة في تآلف المذاهب الإسلامية بدلا من الصراع والتشويه اللذين يعتريان مسيرتنا ؟
والدكتور عبد الله القتم ليس الوحيد الذي يحمل هذا الرأي عن السلطنة ، فهناك كاتب آخر هو محمد عبد المجيد رئيس تحرير مجلة طائر الشمال وعضو اتحاد الصحفيين النرويجيين فهو يقول إن أول ما تقع عليه عيناك في سلطنة عمان هو اختفاء السموم الطائفية التي تنخر في عظام دول عربية وإسلامية وأفريقية كثيرة .ففي عمان أنت لا تعرف المسؤول الذي تقابله هل هو سني أو شيعي أو إباضي ؟ ولو سألت لبهتت ابتسامة مضيفك الأكثر كرما من نخيل بلده .فكيف تفرق في سؤالك بين أبناء الوطن الواحد ؟ وتنتظر ابتسامة مع الإجابة ، هنا - كما يقول محمد عبد المجيد – تظهر صورة القائد العربي الذي يشير بسبابته منذ الثالث والعشرين من يوليو 1970 محذرا العمانيين عمليا وضمنيا ودون الحديث الصريح أن الاقتراب من الطائفية والمذهبية خط أحمر يتعارض ويتناقض مع مجمل فكر قائد النهضة وعقلها .
يقول محمد عبد المجيد في مقال نشره في مجلة طائر الشمال النرويجية تحت عنوان ( سلطنة عمان تعيد إليك روحك ) : إن السلطان قابوس بن سعيد يستشير ويسمع وينصت بشغف ويحترم الرأي الآخر لكن هناك أساسيات في الزعامة وأصولا في فن الحكم وهناك حسم لكل من أراد استغلال الفهم الديني الشخصي واعتباره أوامر إلهية لا خيار للمسلم فيها . إن هناك خيطا رفيعا تماما يفصل ما بين الشورى في أرقى درجاتها والحسم في أوضح صوره وهذا هو ما يميز السلطان قابوس بن سعيد.
3
لقد كتب الزميل محمد بن علي البلوشي مقالا في جريدة الشبيبة يوم السبت 13/12/2008 تحت عنوان ( المذهبيون الجدد ..صنم يعود من جديد ) حذر فيه من المذهبية لأنها مدمرة للأمة والأجيال .وهو في حقيقة الأمر تناول نقطة هامة عندما قال في مقاله ذلك ( المذهبيون الجدد - وتحقيقا لأطماعهم الرخيصة - يمكن أن يقفوا أمام باب أي دولة أخرى ليصرخوا بأنهم مظلومون وأنهم يقتلون وأنهم لا يتلقون العلاج ولا يحصلون على الوظائف والمناصب وأن أبناءهم لا يلتحقون بالجيش أو المدرسة ) .
وأهمية هذه العبارة تعود إلى أن هناك من يسمى بشيخ يزعم أنه خبير بالأديان والمذاهب ملأ ضجيجا في شريط مسجل به محاضرة تم تداولها عبر الهواتف النقالة كلها افتراءات وأكاذيب عن السلطنة لا تستند إلى أي شيء حقيقي وواقعي وكأنه مكلف بالتحدث عن مجموعة من العمانيين الذين كانوا أول من تبرأ من تلك الأكاذيب والافتراءات التي وصلت إلى حد الزعم بأن من يتكلم عنهم لا يجدون حتى مساجد يقيموا فيها شعائر الجمعة ولا يجدون مدارس ليتعلم فيها أبناؤهم ، وكثير من الترهات التي يترفع الإنسان عن ذكرها لأنها بكل بساطة هي كذب محض .ولو أن هذا الشخص كلف نفسه بالبحث وزار السلطنة سيكتشف أن من زوّده بتلك المعلومات كان خاطئا إلا إذا كان عنده حكم مسبق ففي هذه الحالة فإن الزيارة لن تنفع ولن تغير من موقفه شيئا ، وأذكر في هذا المقام فضيلة الشيخ سلمان العودة فهو من الذين كانوا يحملون بعض الآراء الخاطئة عن السلطنة ولكنه بعد زيارته لها وإلقائه محاضرتين في مسقط وصحار وبعدما شاهده بنفسه من التسامح غيّر فكرته وأشاد بالسلطنة إشادة جميلة في إحدى القنوات الفضائية .
وإذا كنا لا نبحث عن مجرد إشادة لأن الإشادة لن تغير شيئا من الواقع ولأن الحقيقة واضحة إلا أن الأمانة تقتضي أن يقول الإنسان الحقيقة ولا يتجاوزها إلى تقديم افتراءات قد تجد بعض القبول من ضعاف النفوس من المذهبيين الذين أشار إليهم زميلي محمد بن علي البلوشي ، هذا في وقت نجد فيه أن سياسة الدولة هي سياسة التسامح ليس بين أبناء الدين الواحد فقط بل حتى مع الأديان الأخرى .
وهذه السياسة أجد خير مترجم لها إذاعة القرآن الكريم بإذاعة سلطنة عمان حيث تسمع فيها كل المتحدثين من كل المذاهب ، وتسمع فيها كل القراء المسلمين العرب منهم والأعاجم وتسمع فيها كل القراءات المعتمدة ، بل هناك برنامج أسبوعي على الهواء يتكلم عن معنى التسامح في الإسلام وقبول الآخر وهي سياسة قد تجد بعض الرفض من البعض الذين يرفضون قبول الآخر والتعامل معه ، والآخر المقصود هنا هي الديانات الأخرى وليس المسلمين طبعا .ومسألة التسامح مع الآخر تحتاج إلى مقال آخر لأن التسامح غير قبول الدنية في الدين وغير التنازل عن أساسيات العقيدة ، والتسامح في الأصل ركن أساسي من أركان تعامل المسلمين مع غيرهم .
أما التسامح المطلوب أمريكيا بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر فتلك مسألة أخرى ومرفوضة طالما أن الهدف منها هو تقديم نموذج لإسلام ذليل وغير مقبول من الناس حتى العاديين والتي كانت من أبرز نتائجها الضرب بالحذاء ! إن هناك دليلا آخر على التسامح الذي اتبعته السلطنة فأي زائر لمعرض الكتاب في مسقط أو أي مكتبة يجد كل الكتب التي تمثل المذاهب الإسلامية كافة ولم تتم مصادرة أي كتاب على أساس مذهبي كما أن أشرطة الكل موجودة وتباع في المكتبات ، وهذا بدوره يطرح سؤالا هل هناك من يستغل هذا التسامح استغلالا سيئا ؟ وهل سياسة التسامح في الأصل غير جيدة ؟!
ولكن المثير والغريب في هذه المسألة أن ما أشار إليه الزميل محمد بن علي البلوشي في مقاله ذلك تطبقه بعض الدول حتى القريبة منا على مواطنيها وقد عافانا الله من ذلك ، فهي لا تسمح لبعض مواطنيها لاختلافهم المذهبي بالعمل في الجيش أو الشرطة أو بعض الوزارات الحساسة وتفضل أن تأتي بالأجانب ليعملوا فيها ، كما أن هناك بعض الدول تصادر الكتب العمانية ولا تسمح لها بعرضها في معارض الكتب فيها بحجة الاختلاف المذهبي ، فهل هناك تسامح أفضل من تسامحنا ؟!
4
إننا نعيش ولله الحمد نعمة عظيمة ومنّة ربانية كريمة هي نعمة الأمن والاستقرار يستظل بها الجميع من شر الفتن ، والرسول الكريم صلى الله عليه وسلم أكد على عظم منزلة نعمة الأمن عندما قال عليه الصلاة والسلام : ( من أصبح آمنا في سربه ، معافى في جسده ، عنده قوت يومه ، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها ) .فلنا أن نتصور ما وصل إليه الآخرون من فقدان الأمن وما وصل إليه الآخرون من الاقتتال باسم المذاهب وما وصل إليه الآخرون من البلاء والفتن والتباغض ، ونظرة واحدة فاحصة للأوضاع في العالم تجعل من الإنسان العاقل أن يتفكر ويتدبر ويخشى مصيرا كذلك المصير.
والولاء يجب أن يكون لعمان لا أن يكون لأي انتماء آخر سواء كان مذهبيا أو عرقيا أو حتى نفعيا مؤقتا ، ويجب أن يبقى ولاء وانتماء العمانيين لبلدهم مثلما كانوا دائما لا أن يكون ولاء وانتماء للسعودية أو لإيران أو باكستان أو تنزانيا أو غيرها أو حتى لأمريكا وبريطانيا بحجة الدفاع عن حقوق الإنسان .وقد عددت أسماء هذه الدول كمثال فقط وليس لها أي دلالة سياسية أو مذهبية أو عرقية ، وإذا كان الشيء بالشيء يذكر فلو افترضنا جدلا أن هناك عمانيين نصارى فهل يجب أن يكون ولاؤهم لبابا الفاتيكان ؟ ولو فرضنا جدلا وجود عمانيين أقباط فهل يجب أن يكون ولاؤهم للأنبا شنودة ؟ ولو فرضنا جدلا وجود عمانيين يهود – والحمد لله أنهم غير موجودين – فهل يجب أن يكون ولاؤهم لأولمرت أو لتسيبي ليفني أو شارون ؟
يجب على كل إنسان أن يبدأ بنفسه أولا وينبذ التعصب وأن يعرف قيمة الانتماء والولاء لوطنه ، لأن الخطر كل الخطر ممن لا ينتمي لوطنه ، والخطر كل الخطر ممن لا يقدّر نعمة الأمن والاستقرار في وطنه ، والخطر كل الخطر ممن لا يشكر هذه النعمة في وطنه – أي وطن كان -