تقرير - سيف الخروصي وعاصم الشيدي
تطابقت آراء علماء الشرع وعلماء الفلك على مصداقية قرار لجنة تحري هلال شهر ذي الحجة في السلطنة بعد أيام من بعض الاستغراب الذي ساد المواطنين في السلطنة في أعقاب اختلاف موعد دخول الشهر في السلطنة وبعض البلدان الإسلامية مع موعد دخوله في أم القرى بالمملكة العربية السعودية. وقطعت أدلة علماء الفلك في مختلف الأقطار الإسلامية حينما أكدت أن مختلف المراصد في البلدان الاسلامية لم تستطع رصد الهلال بعد مغيب شمس يوم الجمعة الماضي علامات الاستغراب التي أبدها البعض في وقت تطابقت فيه أراء فقهاء المذاهب الإسلامية أن دخول الأشهر القمرية يختلف من قطر إلى قطر وان تأدية الشعائر الإسلامية مرتبط بالمكان وليس بالزمان. وقال سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي المفتي العام للسلطنة إن إتمام عدة ذي القعدة في السلطنة كان قرارا صحيحا في ضوء عدم التمكن من رؤية الهلال حتى بأفضل المناظير المتوفرة مشيرا سماحته إلى أن صوم يوم عرفة في اليوم التاسع من ذي الحجة يكون حسب تاريخ السلطنة لأننا دخلنا شهر ذي الحجة في هذه السنة بحمد الله تعالى على بصيرة حيث اجتمعت اللجنة الرئيسية واللجان الفرعية التابعة لها وتم استخدام أفضل المناظير في ذلك ولم نتمكن من رؤية الهلال وعليه أتممنا عدة ذي القعدة ثلاثين يوما عملا بقول الرسول صلى الله عليه وسلم (فإن غم عليكم فأتموا العدة ثلاثين يوما) علما أن رؤية الهلال في ليلة السبت كانت صعبة جدا ولم يتمكن الفلكيون من رصد الهلال في عدد من دول العالم الإسلامي فلا معنى لتشكيك بعض الناس بغير بينة ولا دليل.وكان بيانا صادرا من جمعية الفلكيين العمانيين قد أكد أن المختصين بالفلك في السلطنة قد تحروا الهلال بعد مغيب الشمس يوم الجمعة الماضي باستخدام أحدث التلسكوبات ولم يتمكنوا من رؤية الهلال رغم أنهم استطاعوا رصد كواكب بعيدة في ظهيرة ذلك اليوم.
وقال المهندس محمد شوكت عودة مدير المشروع الإسلامي لرصد الأهلة «كمراقبين في المشروع الإسلامي لرصد الأهلة نثني على الجهود التي تبذلها سلطنة عمان في تحري دخول الأشهر القمرية» مشيرا «إلى أن سلطنة عمان والمغرب هما أدق دولتين في العالم الإسلامي في تحديد دخول الأشهر القمرية».وقال المهندس في اتصال هاتفي مع (عمان): «أشعر بالأسى إذا عرفت أن هناك من يشكك في دقة تحديد الأشهر القمرية في سلطنة عمان في الوقت الذي يجب على الجميع أن يفخروا بأن السلطنة تمزج بين العلم والشرع في موضوع بداية الأشهر وهي الدولة الوحيدة في العالم الإسلامي التي تعتمد مبدأ الشفافية في تحديد الرؤية وتنقل أحداث استطلاع الرؤية على الهواء مباشرة، حتى بيان اللجنة يتلى على الهواء مباشرة في وقت تتكتم عليه بعض الدول».
وحول عدم ثبوت الرؤية بعد مغيب شمس يوم الجمعة في السلطنة قال مدير المشروع الإسلامي لرصد الأهلة إن قرار السلطنة سليم 100٪ ولا غبار عليه من الناحية الفلكية وكذلك من الناحية الشرعية وهذا بشهادة مختلف الفلكيين في العالم الإسلامي الذين كانوا يراقبون بجدية تامة تحري الرؤية في السلطنة المعروف عنها الاهتمام بهذا الجانب.وأضاف المهندس: «كانت رؤية الهلال يوم الجمعة مستحيلة بالعين المجردة في كافة أرجاء السلطنة» أما بالتلسكوب فكان النصف الشمالي مستحيل أيضا أما الجزء الجنوبي فكانت هناك إمكانية ضئيلة جدا جدا إلا في حالة وجود جو صاف جدا وخال من الغبار وهي ظروف صعبة التحقق. مشيرا «من خلال خبرتنا في رصد الأهلة كنا في المشروع الإسلامي نعرف عدم إمكانية الرؤية في السلطنة وأن السلطنة ستكمل عدة ذي القعدة ثلاثين يوما وهي صائبة في ذلك ولا مجال للتشكيك في ذلك».
ويستطرد محمد شوكت بالقول: «راقبنا جهود السلطنة التي جمعت بين تشكيل اللجان الشرعية والاستعانة بالعلم عن طريق الرصد الفلكي الأمر الذي خرج معه القرار العماني موفقا بين العلم والشرع». أما حول الاحتجاج بكبر حجم الهلال مساء الأحد فهذا كلام لا يعتد به وفي الأمور العلمية لا يعتد بكلام العامة فهناك أمور علمية تدخل في هذا الجانب منها أن مساء الأحد الهلال كان هلال الليلة الثانية وليس الليلة الأولى فاليوم الإسلامي يبدأ من بعد مغيب الشمس، إضافة إلى أن الشهر إذا أتم ثلاثين يوما فالهلال الأول من الشهر التالي لا بد أن يبدو كبيرا ولو بدأ صغيرا فهذا ما يفتح باب السؤال حول صحة الشهر الذي قبله. ويضيف مدير المشروع الإسلامي بالقول: «من جهة أخرى شكل الهلال لا يعتد به حكما لصحة دخول الشهر وهناك أمور علمية في هذا الجانب يطول الحديث حولها».
ويختتم المهندس محمد شوكت عودة حديثه بالقول: «كان الهلال بعد مغيب شمس يوم الجمعة في سلطنة عمان على حافة الرؤية وأقل بقليل من الحد الممكن لرؤيته ، وهذا ما يؤكده العلم ويدعمه الواقع حيث لم تستطع المراصد الفلكية رصد الهلال».
وكانت تقارير فلكية من عدة دول إسلامية من بينها دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية ودولة الكويت وإيران واستراليا إنهم لم يستطيعوا رصد الهلال بعد مغيب شمس الجمعة الماضية رغم دقة المراصد التي يستخدمونها.
ولم تستطع المملكة المغربية (يعرف العلماء دقة المغرب في رصد الأهلة) من رصد الهلال في ذلك اليوم رغم مغيبه بوقت يتأخر عن وقت مغيبه في السلطنة بأربع ساعات ما يعطيه إمكانية في الرؤية أكبر من إمكانيته في السلطنة حيث أن عمر الهلال يكون أكبر. وجاء في البيان الرسمي للمملكة المغربية: (... واتصلت بجميع نظار الأوقاف ومندوبي الشؤون الإسلامية بالمملكة، وبوحدات القوات المسلحة الملكية المساهمة في مراقبة الهلال، فأكدوا جميعا عدم ثبوت رؤيته وعليه.... سيكون عيد الأضحى هو يوم الثلاثاء...)، فلم يتمكنوا من رؤيته بعد غروبه بالسلطنة بأربع ساعات، وصار عمر الهلال أكثر من 24 ساعة.
وفي دراسات علمية لنسب الخطأ في دخول الأشهر القمرية في البلدان الإسلامية لم يرد اسم السلطنة ضمن الدول التي كثر لديها الخطأ في إثبات صحة دخول الشهر رغم أن نسبة الخطأ تجاوزت 75٪ في بعض الدول خاصة في شهري رمضان وشوال.
وكان تقرير المشروع الإسلامي لرصد الأهلة قد أكد أن رؤية الهلال بعد مغيب شمس الجمعة الماضي سيكون صعبا جدا وربما مستحيلا، وقال البيان: «إن بداية شهر ذي الحجة في الدول التي يصادف فيها يوم الجمعة 29 من شهر ذي القعدة سيبدأ فيها شهر ذي الحجة يوم الأحد الموافق 30 من نوفمبر».وكان البيان الفلكي الموحد لرؤية الأهلة الذي صادقت عليه عدة جمعيات فلكية من بينها الجمعية الفلكية بجدة والجمعية الفلكية الفلسطينية وجمعية هواة الفلك السورية ومرصد بريدة بالقصيم ومرصد المرزم الفلكي بالكويت ورابطة هواة الفلك بجدة قد أشار إلى إمكانية رؤية هلال ذي الحجة يوم السبت فقط ما يفهم من البيان صعوبة أو استحالة رؤيته بعد مغيب شمس يوم الجمعة.من جهة أخرى قال الباحث الفلكي عادل السعدون في تقرير بثته وكالة الأنباء الكويتية «إن القمر يغيب بعد مغيب شمس يوم الجمعة في الكويت بحوالي 21 دقيقة وفي مكة المكرمة حوالي 27 دقيقة وهي مدة زمنية غير كافية لرؤية الهلال لا في الكويت ولا في مكة المكرمة».
وكان الدكتور كهلان بن نبهان الخروصي والدكتور صالح الشيذاني رئيس جمعية الفلكيين العمانيين قد أكدا في ندوة مشتركة أن الحسابات الفلكية في السلطنة لا تستخدم لإثبات دخول أو خروج الشهر ولكن تستخدم لتمحيص الشهادة في إشارة إلى أن السلطنة تستخدم علم الفلك للنفي وليس للاثبات حيث أن في حالة الاثبات لا بد من الرؤية سواء بالعين المجردة أو بالمناظير.وأكدا أن الربط بين العلم والإيمان مقصود في الدين وان المنهج المختار في الآلية التي يقوم عليها تحديد بدايات الأشهر القمرية في السلطنة فقها هو الجمع بين الأدلة الشرعية والحقائق العلمية.وقالا: نحن نعلم أن الفقهاء يقررون أن الشهادات لا بد أن تكون موافقة للقرائن ويؤكدون على أن أمر هلال ذي الحجة أعظم أثرا واشد خطرا من غيره من الأهلة.
وأكدا: أن الدعوة إلى أن تكون أعياد المسلمين وشهورهم واحدة تعد عزوفا عن الأسباب الحقيقية الصحيحة التي تدعو إلى وحدة المسلمين مشيرين إلى أن القضية في وحدة مشاعر المسلمين هي في الأخذ بالأسباب الحقيقية للاتحاد والتآلف التي تبدأ من الاتحاد على أركان الإيمان. وحول دقة أجهزة الرصد الفلكي قال الدكتور صالح الشيذاني: إن البرامج الفلكية اليوم أصبحت بها إمكانيات كثيرة تستطيع أن تبحث بها في أي أفق وأي جهة وفي أي وقت وفي أي مكان على البسيطة وفي أي تاريخ وفي أي سنة وتستطيع أن تنتقل إلى أي قطب تشاء من المغرب إلى الفجر إلى الليل وترى كيف تتحرك النجوم وتغرب وتشرق فكل هذه الأمور أصبحت الآن مبرمجة بشكل تلقائي ومقنن ومدروس وتوجد برامج كثيرة في هذا الصدد.وعن دقة علم الفلك يقول الدكتور صالح الشيذاني: إن البرامج الفلكية تستطيع تحديد احداث فلكية حدثت في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وبشكل دقيق جدا ومن ذلك كسوف الشمس الذي حصل عندما توفي إبراهيم ابن الرسول عليه الصلاة والسلام وهذا البرنامج يمكننا أن نذكر ذلك التاريخ وننتقل إلى المدينة التي عاش فيها الرسول صلى الله عليه وسلم ونشاهد الحدث كيف صار في ذلك الوقت فلله الحمد كل هذه الاشياء متاحة والفلكيون في ذلك لا يستأنسون فقط بالنماذج الرياضية والمعادلات بل يرجعون إلى الأحداث التاريخية والمشاهدات التي سجلت في المخطوطات ويحاولون مقارنة مدى دقة هذه الحسابات.
الجانب الفقهي
ويعرض الدكتور كهلان بن نبهان الخروصي المستشار الشرعي بمكتب المفتي العام للسلطنة في ندوة تحديد بداية الأشهر القمرية الرأي الفقهي في مسألة تحديد بداية الأشهر القمرية فيقول: حينما نقرأ قول الله تبارك وتعالى في سورة الرحمن (الشمس والقمر بحسبان والنجم والشجر يسجدان) لا ينبغي لنا أن نحسب ان المقصود هو مجرد التفاتة عابرة بل لا بد أن نعي الأسرار العلمية وراء هذه الآيات الكونية التي تحدثنا عنها هذه السورة كذلك حينما نقرأ في سورة يونس قول الله تبارك وتعالى (هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب ما خلق الله ذلك إلا بالحق يفصل الآيات لقوم يعلمون).
كل كلمة في هذه الآية الكريمة لها دلالتها ومعناها مما لا ينبغي للمسلم أن يتناساه أو يتجاهله أو أن يطرح دراسته والنظر والتأمل فيه. فكيف اذا أضفنا اليها الآية التالية وهي قوله تعالى (إِنَّ فِي اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ) هذا الربط بين العلم والإيمان مقصود في هذا الدين فالعلم صنو الإيمان والإيمان لا يقوم إلا بالعلم والعلم يدعو إلى مزيد من الإيمان فهي توافقية ثنائية متكاملة يقوم بعضها على بعض ومن هذا الأساس كان المنهج المختار في الآلية التي يقوم عليها تحديد بدايات الاشهر القمرية في السلطنة فقها فهي منهجية تقوم على الجمع بين الأدلة الشرعية والحقائق العلمية التي استمعنا إليها وأيضا الأدوات التقنية التي يمكن ان تعين على تطبيق ما يرد في الأدلة الشرعية وما يرد في الحقائق العلمية التي يقررها لنا علم الفلك بمعنى نحن هنا في السلطنة نعول على هذه الحقائق العلمية عند بداية كل شهر لا بد ان نطلع على التقارير التي يعدها المختصون في السلطنة مما يتعلق بالحقائق العلمية حول هلال كل شهر بكل دقة وانضباط في مختلف مناطق السلطنة هذه الحقائق العلمية هي اما ان تنفي امكانية الرؤية وتقرر استحالة ان يرى الهلال في أي جزء من مناطق السلطنة لان القمر الوليد (الهلال) اما ان يكون قد اختفى قبل مغيب الشمس اصلا او انه مكث مدة يسيرة يستحيل معها البتة ان يرى بالعين المجردة او باستخدام مناظير وآلات مقربة او مكبرة وكما رأينا النتائج المذهلة التي يحسب الفلكيون بها ما يصلون اليه من حقائق بأجزاء من الثانية وفي كل بقعة من على هذه البسيطة تجعلنا مطمئنين إلى هذه الحقائق التي نتلقاها وساعتها ونحن نعلم ان الفقهاء يقررون ان الشهادات لا بد ان تكون موافقة للقرائن فهي أي قبول الشهادات وتمحيصها لا يقف عند صدق الشاهد فقط بل لا بد ان تكون شهادته موافقة لواقع الحال سواء كان الواقع عقليا او كان الواقع واقع حال فاذا كانت هذه الشهادة معارضة لهذا الواقع الذي نتحدث عنه لان الحقائق العلمية تنفيها تماما فساعة إذن لا يمكن أن يعول على هذا الخبر وعندها أيضا نحمل المبلغ على الوهم او على انه رأى ما توهم ما ظن ما حسب انه هلال أي لا يحمل على الكذب وهذا أمر مألوف في الشهادات وإما هذه الحقائق العلمية أن تقول بالإمكانية ان يرى الهلال سواء كانت هذه الإمكانية كبيرة الاحتمال او كانت ضعيفة الاحتمال ففي هاتين الحالتين يلجأ إلى حث الناس على الاستطلاع وهذا كما قلنا يتوافق مع الأدلة الشرعية التي تعرفونها صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته ومع حديث كريب مولى ابن عباس الشهير الذي اخذ منه جملة من الفقهاء ان لأهل كل بلد هلالهم عند الإمام مسلم وفي السنن ايضا هذه الأدلة الشرعية مع الحقائق العلمية يضاف إليها ما قلته من امر استخدام التقنيات المعاصرة من المناظير المقربة والمكبرة من الآلات والاجهزة التي رأينا بعضا منها الآن بيننا وبين الجمعية اتفاق على ان يبحثوا عن اجهزة الملاحة الفلكية ان جازت تسميتها لكي توزع على عموم اللجان الفرعية في المناطق ويشترك اعضاء الجمعية الفلكية العمانية مع هذه اللجان الفرعية في المناطق لاستخدام هذه الآلات والأجهزة حتى تعين على دقة القرار الذي تصل إليه اللجنة الرئيسية وهذا ما قلته بداية من ان منهج السلطنة يقوم على الجمع بين الأدلة الشرعية والحقائق العلمية واستخدام التقنيات المعاصرة ومن هذه التقنيات ايضا هي ليست فقط ما يتعلق بالجانب الفلكي وإنما منها ما يتعلق بالارصاد الجوية سواء منها ما يتعلق بحركة الطيران والتأكد من الذي رآه المبلغ هو ليس طائرة او شيئا من الأجرام السماوية وانما هو جرم متحقق الرائي من انه الهلال الذي يبلغ عنه.
كذلك يلجأ إلى علم الارصاد الجوية معرفة هل حالة الطقس في المنطقة التي يبلغ منها الرائي هل هناك حجب وغيوم تحول بينه وبين رؤية الهلال ام ان الجو صحو وهذا ما يقوي شهادة المبلغ عندها لماذا تم اختيارها؟ وهي جملة من الاجتهادات ومن المناهج الموجودة في شتى اقطار العالم الاسلامي لو اردت ان ألخصها لقلت ان من الناس من يهمل جانب الحقائق العلمية ويتمسك بظواهر الأدلة الشرعية التي يرى هو بحسب اجتهاده انها تلزمه بالرؤية البصرية قد يستعين معها بمناظير لكن بحسب هذا الاجتهاد ان استخدام علم الفلك انما هو ضرب من الحساب المكروه حسب ظنه واجتهاده وبالتالي يعول على الرؤية البصرية ويقبل شهادة الشهود بحسب طرقه ووسائله ومن الناس من لا يحتاج إلى الرؤية ايضا هذه اجتهادات موجودة وإنما يكتفي بتقرير علم الفلك بالحقائق التي يقررها علم الفلك فإن أقر علم الفلك بأن الهلال موجود ومنهم من يعول على ساعة الاقتران سواء كان الهلال قبل الشمس اوبعدها الحاصل منهم من يرى او اجتهاده الذي يرتضيه هو ان يثبت الاهلة وبدايات الشهور بناء على ذلك ومنهم من يرى انه ان مكث مدة كافية لرؤيته بعد مغيب الشمس انه يبني قراره على ذلك دون حاجة إلى استطلاع والى رؤية كل هذه الاجتهادات ونحن نحسب ان هذه ايضا انما هي اجتهادات تخطئ وتصيب لكن الذي علينا ان نتحرى ما نرى انه اصوب فكيف اذا اجتمع مع هذا اننا يمكن لنا ان نجمع بين كل ما تفرق في هذه المناهج ومن المعلوم ان القواعد الأصولية انه لا يلجأ إلى الترجيح مع امكان الجمع والجمع هنا بين أدلة شرعية وبين أدلة علمية عقلية وبين تقنية تستخدم مع أدلة لغوية وعرفية ايضا معروفة في تاريخ المسلمين. وهذا كما قلت هو الذي دعا إلى اختيار هذا المنهج فالله سبحانه وتعالى حينما يقول (يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج).
يسألونك عن الأهلة هو ليس عن ذواتها وانما عن حركتها وعن الحكمة من تغيرها وانما هي مواقيت للناس والحج خص الحج بالذكر هي مواقيت للناس لما يتعلق بها من أحكام عديدة تتناول شتى مجالات حياة الانسان يكاد لا يتصور مجال من مجالات بعض الناس يظن ان لحركة الأهلة دورا في اداء الشعائر التعبدية فقط والامر على خلاف ذلك فلحركة الاهلة وما بني عليها من احكام مجالات تتناول كل شؤون هذا الانسان العبادية الخالصة أي الشعائر التعبدية من صلاة وصيام وحج وزكاة او الاجتماعية كالاحوال الشخصية مما يتعلق بالزواج والطلاق والرضاع والحضانة والبلوغ وغيرها او المعاملات المالية لان كثيرا منها ايضا كعقود السلم وكالإجارات وغيرها انما يبنى على الأشهر القمرية او ما يتعلق بفقه النساء عامة من احكام العدد سواء كانت عدد وفاة او طلاق او كان ايضا مما يتصل بالقضاء في الجانب التشريعي للأشهر القمرية دور كبير في هذا الجانب الحاصل ان المجالات تكاد تغطي كل ما لذلك الاية القرآنية (قل هي مواقيت للناس) ثم خص بالذكر امر الحج لعلو شأنه ولأن على خلاف ما يظن كثير من الناس ان امر الأهلة أدعى ان يتحقق منه في دخول رمضان لتعلق فريضة الصيام به الحقيقة ان كلام اهل الفقه من مختلف المدارس الاسلامية يؤكد على ان امر هلال ذي الحجة اعظم أثرا واشد خطرا من غيرها من الاهلة لان جملة من المناسك والعبادات والشعائر تتعلق بهذا الشهر فشهر ذي الحجة هو من الاشهر الحرم وهو من اشهر الحج المعلومات وفيه العشر التي كما يرى كثير من المفسرين اقسم الله تعالى بها في كتابه العزيز واتم بها ميقات موسى عليه السلام وفيها العشر التي قال عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه العشر) يعني عشر ذي الحجة وفيها كل مناسك الحج من الوقوف بعرفة ومن طواف الافاضة ومن مناسك الحج المختلفة وبالنسبة لاهل الافاق الذين لا يحجون هناك عيد الاضحى وتقديم الاضاحي وعندما نتحدث بالمناسبة عن تقديم الاضاحي يحسب الواحد منا اننا نتحدث عن فرد فكيف اذا كنا نتحدث عن امة بأسرها يعني اذا كنا نتحدث عن المجتمع العماني ونحن نعلم من واقع الاحصائيات ان في المجتمع العماني اكثر من ثلاثمائة الف اسرة فأين تذهب اللحوم التي يسعى الناس إلى التقرب بها إلى ربهم سبحانه وتعالى فيما يتعلق بالاضاحي التي يهدونها ايام الاعياد؟
وما يتعلق بالاحكام منها ما هو من العبادات التي يتقرب بها المرء إلى ربه منها ما قد يوقعه في المحضور لحرمة صيام يوم العيد ولحرمة صيام ايام التشريق عند بعض الفقهاء او لكراهتها عند طائفة اخرى من الفقهاء فاذن ما يتعلق بالدواعي التي أدت إلى اختيار هذا المنهج واضحة بينة وما يتعلق بخصوص هلال ذي الحجة ايضا كما رأيتم يتعلق بهذا الشهر الكثير من العبادات والاحكام وهناك الكثير من الاوقاف التي اوقفت في مختلف الاقطار الاسلامية لتكون في شهر ذي الحجة خاصة في يوم التاسع من ذي الحجة كثير ايضا من اعمال الخير يتقرب بها الناس في ذي الحجة كثير من الناس ضبطوا زكواتهم على آخر شهر في السنة الهجرية او آخر شهر من السنة الميلادية التي يوافق غالبا الشهر الهجري الاخير أي شهر ذي الحجة.الآن لأختم ايضا مما يجيب على بعض تساؤلات الناس الصلة بين وحدة المسلمين وبين الدعوة إلى ان تتكون اعيادهم وشهورهم واحدة كذلك.
باختصار شديد وبواقعية كبيرة هذا عزوف عن الاسباب الحقيقية الصحيحة التي تدعو إلى وحدة المسلمين إلى اسباب هي في حقيقتها لم تكن في ويوم من الايام سببا يدعو إلى تفرق المسلمين كلنا يعلم بانه في تاريخ هذه الامة من لدن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم والى يومنا هذا لم يحصل ابدا ان كان المسلمون على تاريخ واحد واعيادهم واحدة وشعائرهم التعبدية يؤدونها في وقت واحد ونحن نتحدث عن فترات كانت العزة والقوة والغلبة للمسلمين وكانوا اقرب ما يكونون إلى ما نتحدث عنه اليوم من الوحدة والاتحاد والتآلف فإذن القضية هي ليست في ان نوحد تواريخنا ان كانت المسألة مسألة توحيد تواريخ لماذا لا يقال الشيء ذاته لان الاعتبارات هي ذاتها فيما يتعلق بأوقات الصلوات لننظر نحن في القطر الواحد بين مسقط وصلالة على سبيل المثال هل نصلي في وقت واحد هل وقت الغروب في مسقط هو نفسه في صلالة؟ لماذا؟ للمسألة التي رأيناها فيما يتعلق باختلاف المطالع الفلكية تجدون في كتب الفقه ان القضية ليست في اختلاف المطالع الفلكية لان اختلاف المطالع الفلكية هو امر ثابت مقر وانما في اعتبارها هل لها اعتبار؟ هل لها اثر؟ نحن نتحدث عن واقع نعم لان هذا هو واقع المسلمين وحديث كريب مولى ابن عباس عندما اتى من الشام وابن عباس سأله: هل انت رأيت الهلال لأنهم كانوا رأوه ليلة الجمعة فقال: نعم انا رأيته وصمت وصام الناس وصام معاوية فقال ابن عباس: فانا رأينا الهلال ليلة السبت فلا نفطر حتى نراه او نكمل عدة رمضان ثلاثين متى كان هذا؟ هل كان هذا في وقت ضعف المسلمين؟ هل كان في وقت تأخرهم في العلوم والمعارف وتأخرهم عن قيادة الامم ام كان هذا في وقت كانت العزة والغلبة فيه للمسلمين؟
القضية هي في وحدة مشاعر المسلمين في الاخذ ايضا بالاسباب الحقيقية للاتحاد والتآلف التي تبدأ من الاتحاد على اركان الايمان ومن الالتقاء على الاخوة الايمانية التي قررتها هذه الشريعة آصرة تجمع المسلمين تحت مظلتها ومن الالتقاء ايضا على حمل هموم مشتركة وآمال وتطلعات مشتركة والسعي إلى تحقيقها ومن ايضا التعاون والتكاتف على ما فيه صلاح الجميع اما ان نغالط انفسنا وان نجعل من قضية ما كانت في يوم من الايام قضية لها اعتبار في هذا المقصد الشرعي الذي يتحدث عنه فان ذلك من تحميل النصوص ما لا تحتمل ومن تحميل الواقع الذي لا يمكن ان يتحقق ايضا ما لا يحتمل وما لا يمكن ان يطبق فلهذا كله كان الناس بحاجة إلى طمأنينة نفس فيما يتعلق بالقرار الذي يتخذ وكما قلت هناك اجتهادات متعددة وهذا الدين دين سعة ورحمة ولكل قوم اجتهادهم ونحن هنا نحسن الظن باجتهاد الناس لكننا فيما يتعلق باجتهادنا بأنفسنا لا ريب ان كل احد يسعى ان يختار لنفسه ما هو أفضل وأكمل وما يؤدي إلى جمع كل المعطيات التي تؤدي إلى سلامة اتخاذ القرار وهذا ما لمسناه فعلا فقد رأينا في مناسبات عدة ان جملة من وسائل الاعلام الخارجية تشيد بهذا المنهج والاسلوب الذي تتبعه السلطنة فيما يتعلق باتخاذ قرار بدايات الأشهر القمرية.
منشور في جريدة عمان في 6 ديسمبر 2008م
No comments:
Post a Comment