زاهر بن حارث المحروقي
كاتب عماني
7/4/2009
" 1 "
دائما تتبع السياسة العمانية الهدوء بحيث لا يتم الإعلان في وسائل الإعلام عما يدور في الاجتماعات إلا بإشارات قليلة لا تشفي غليل المتابع المدقق أو الباحث المهتم ، وتكاد تكون صيغة الأخبار متشابهة دائما كأن يقال عن أي اجتماع ثنائي مثلا ( إنه تم تبادل الآراء حول العلاقات الثنائية بين البلدين وكذلك وجهات النظر في القضايا ذات الاهتمام المشترك ) ، وقد تكون هذه السياسة جيدة إذ لا نعطي أنفسنا أكبر من حجمنا ، ولكن الشيء غير الجيد هو أن تغيب الحقائق عن جيل كامل من المواطنين الذين من حقهم أن يكونوا في الصورة خاصة إذا كانت هذه الحقائق هامة ، مثل استقبال جلالة السلطان المعظم في مسقط الشهر الماضي لمنو شهر متكي وزير الخارجية الإيراني ثم بعد ساعة من ذلك اجتماعه بالرئيس المصري حسني مبارك وما دار في اللقاءين من تقريب وجهات النظر بين مصر وإيران ، حيث تم الأمر بهدوء إعلامي ولم ينتبه أحد إلى مغزى اللقاءين.
وأذكر أن دبوماسيا غربيا قال لي إن دول الخليج لو أخذت برأي السلطان قابوس ربما لجنبت نفسها مخاطر كثيرة منها احتلال الكويت وما تبع ذلك ، قلت له وما هو هذا الرأي فقال ( إن جلالة السلطان عرض على زعماء المنطقة أن يعطوا العراق ما طلبه الرئيس العراقي الراحل صدام حسين من مبالغ مالية من الكويت تعويضا عما ظنه العراق أنه حقه من النفط الذي استغلته دولة الكويت ، وكان رأي جلالته أنه يجب أن ننظر إلى المسألة بواقعية وأن العراق خرج من حربه مع إيران منهك وإن جلالته اقترح إذا كانت الكويت لا تستطيع أن تدفع المبلغ أن تساهم دول المنطقة كلها في دفع هذا المبلغ من خلال إنشاء صندوق مشترك وإن عمان - رغم قلة مواردها - ستكون أول المتبرعين لأن عدم إعطاء العراق ذلك المبلغ سوف يجر المنطقة إلى ما لا يحمد عقباه ) كان ذلك كلام الدبلوماسي الغربي ، لكن الإخوة في المنطقة رفضوا ذلك رفضا قاطعا ظانين أن العصى الأمريكية الغليظة سوف تنال من صدام حسين وغيره حماية لهم أو حبا فيهم وهي نظرة أقرب إلى أن تكون ساذجة ، فكان ما كان وانتهت المنطقة إلى ما انتهت إليه الآن.
وربما موقف جلالته هذا هو الذي دعا الجنرال شوارزكوف القائد السابق للقوات الأمريكية في المنطقة أن يقول في مذكراته ( إن في المنطقة حكاما من ذوي الثقافات الغربية العالية مثل السلطان قابوس ، لكنه يرفض الإيمان بفكرة أن صدام حسين من القبضايات ) – أي كاوبوي أو قاطع طريق أو متهور.
وغدا تمر6 سنوات على احتلال العراق ألا نتساءل مع هذا الدبلوماسي الغربي ماذا لو أخذوا برأي جلالته ؟ ألم يكن ذلك قد جنب فعلا المنطقة ويلات الحروب والدمار والمرض والفقر ؟ ألم يكن الأولى أن تصرف كل المبالغ الضخمة تلك للتنمية وللإنسان في المنطقة ؟ لكن هذا بدوره يطرح تساءلا آخر وهو تساؤل مهم ويجب أن يطرح ، فربما يسأل أحدهم إذا كان ذلك هو موقف جلالة السلطان قابوس فلماذا شاركت السلطنة مع دول التحالف ؟ والإجابة عند جلالته عندما قال لرياض نجيب الريّس في مجلة المستقبل الباريسية ( إن الدول الكبرى عندما تريد أن تتدخل في المنطقة فلن تستأذننا أبدا ) وهذا ما حدث بالضبط خاصة عندما رفضت دول المنطقة الفكرة السلمية واعتمدت على العصى الأمريكية الغليظة ، وليس أدل على ذلك مما ذكره بوب وود وارد في كتابه ( جورج بوش محاربا ) ترجمته ونشرته دار العبيكان السعودية ، حيث يدخل الأمير بندر بن سلطان السفير السعودي السابق في واشنطن للرئيس بوش ويسأله بوش لماذا لم تحلق لحيتك فيجيبه ليس قبل أن تخلّصنا من صدام حسين !
ولكن هل هذه العصى أصابت العراق فقط في مقتل أم أنها أصابت الكل ؟
" 2 "
داخليا فإن الشعب العراقي قدم على مدى 6 سنوات أكثر من مليون شهيد وأكثر من 5 ملايين مهاجرا وملايين من اليتامي والأرامل والمصابين بعاهات هذا غير الانتهاكات في كرامة الإنسان ، ولم يتحول العراق إلى واحة للديمقراطية بل أصبح نموذجا للصراعات الطائفية والمذهبية والتي لم يكن لها وجود في السابق ، وتمت سرقة النفط العراقي جهارا نهارا ، وفقد العراق انتماءه العربي حتى وإن كان مقررا له أن يستضيف القمة العربية ال23 بعد عامين ، فهي استضافة لا معنى لها في ظل وجود حكومة تم تنصيبها من قبل المحتل الأمريكي ، فيما كان مفروضا أن يتم رفض التعامل معها عربيا لفقدانها الشرعية ، ولنا مثل في منظمة الوحدة الأفريقية التي رفضت الاعتراف بحكومة محمد ولد عبد العزيز في موريتانيا وكذلك تعليق المنظمة لعضوية مدغشقر لأن الرئيس راجولينا جاء بانقلاب سانده فيه العسكر رغم أنه انقلاب سلمي ، ولكن نترك الوضع الداخلي في العراق ونسأل ماذا خسرت دول الخليج والعرب باحتلال العراق ؟
" 3 "
من أبرز نتائج احتلال العراق وجود اختلال كبير في موازين القوى في المنطقة ، فبغيات العراق وما كان يمثله من ثقل خاصة بوجود قدرات وخبرات عسكرية تراكمت خلال الحرب مع إيران ، وبوجود قدرة صناعية عسكرية كبيرة مع رفع شعارات قومية أصبحت – للأسف – من الماضي البغيض الآن ، أصبح ذلك يؤرق أكثر من جهة لكن الجهة الأساسية التي كانت تحسب حسابات دقيقة لهذه القوة هي إسرائيل التي أصبحت المستفيد الأوحد فيما حصل للعراق وأصبحت المنطقة ساحة مفتوحة لها بغياب القوة المصرية من 30 عاما بعقد ما سمي باتفاقيات السلام في كامب ديفيد.
لكن – وللأسف أيضا – هناك الكثير من العرب لا يرون أن إسرائيل تشكل الخطر الحقيقي للأمة فيما هي في الحقيقة هي العدو ، ويرون أن إيران هي التي تشكل الخطر على دول الخليج ، ومن يرى هذا الرأي وبالذات دول الخليج العربية هم من أعطوا إيران هذه الفرصة واللحظة التاريخية التي استغلتها إيران – وهذا من حقها طبعا - ، فدول الخليج وجدت نفسها أمام قوة عسكرية وحيدة في المنطقة ولها طموحاتها السياسية المتعاظمة وتملك أوراق اللعب ليس في العراق فقط بل حتى داخل الدول الخليجية نفسها بوجود ملايين من الشيعة قد يتعاطفون مع التوجه الإيراني ووجود نفوذ اقتصادي كبير، ثم أكملت إيران كل ذلك بتأييد حركات المقاومة في فلسطين ولبنان وهي الحركات التي تتعاطف معها الشعوب العربية هذا مع غياب الدور العربي المرحلي والمستقبلي والاستراتيجي حتى قرأنا تصريحات إيرانية تقول إن البحرين محافظة إيرانية وهي نفس التوجهات الفارسية أيام شاه إيران السابق ، بل أصبح العراق نفسه يدار من طهران وفي الواقع هو الذي أصبح محافظة إيرانية ، وكأن دول الخليج وأمريكا تعاونا على تسليم العراق إلى إيران في طبق من ذهب.
" 4 "
إن الدول التي لا تقرأ التاريخ لا تعرف الحاضر ولن تعرف المستقبل فهي تعيش على الهامش وأقرب إلى أن تكون مدن الملح كما وصفها عبد الرحمن منيف في رائعته الخماسية فإذا ابتلت بالملح ذابت ، وهذا هو واقع الدول العربية كلها وليس دول الخليج العربية فقط
إن دول الخليج تعيش الآن كابوسا وقلقا مضاعفا من أي تقارب أمريكي مع إيران بعدما مد الرئيس باراك أوباما يد السلام إلى طهران وعرض عليها بداية جديدة لمحادثات دبلوماسية بينهما ، وتخشى دول الخليج أن تقدم أمريكا تنازلات لإيران التي نظروا إليها دائما بمزيج من الارتياب والعداء بحيث تشمل هذه التنازلات البرنامج النووي الإيراني أو التدخل الإيراني في العراق ولبنان وفلسطين
بل إن دول الخليج التي اعتمدت العصى الأمريكية الغليظة مع عراق صدام حسين تخشى الآن من انسحاب أمريكي مبكر من العراق إذ سيترك العراق في أيدي موالين لإيران والذين هيمنوا على العراق بعد احتلال العراق.
لقد ظنت دول الخليج أن العراق لن يكون مستنقعا لأمريكا وأن أمريكا بإمكانها أن تواصل حروبها وتتخلص أيضا من النظام الإيراني ، لكن الذي حصل هو أن إيران قويت وأصبحت اللاعب الرئيسي الوحيد الآن في المنطقة وتقزمت دول الخليج لأنها لا تملك خطا استراتيجيا بل لا تملك أي هدف ، وهي الآن محصورة بين مركزي قوة نوويين غير عربيين هما إيران وإسرائيل
" 5 "
ما الذي يمنع دول الخليج أو الدول العربية من أن تكون قوية ؟ وما الذي يمنعها من امتلاك مفاعلات نووية ؟ وما الذي يمنعها أن تكون دولا محورية أساسية ؟ وما الذي يجعلها تكون دائما تابعة لأمريكا وطوع أمرها ؟ أمن قلة مواردها أو من قلة أصدقائها أو المحتاجين إلى نفطها ؟ لقد دفعت هذه الدول بسقوط بغداد أضعاف ما كانت ستدفعه للعراق تعويضا عن حرب قامت بها ضد إيران على حساب المشروع الصهيوني والأمريكي بدعم مباشر من الدول الخليجية ، وعندما تتحسن العلاقات بين أمريكا وإيران وهو متوقع لأن منطق القوة يفرض نفسه دائما فإن دول الخليج ستدفع الثمن مرة أخرى وستظهر المسألة وكأن واشنطن تكافيء طهران على صمودها وتحديها وكأنها تعاقب حلفاءها حكام الخليج الذين تحملوا غضبا شعبيا – ولو أنه كان مكبوتا – ووصل الأمر إلى العنف والانفجارات في بعض الدول الخليجية مثل السعودية رفضا لهذه التبعية المعلنة وغير المعلنة منذ أكثر من 50 عاما.
وسنعود إلى السؤال الأساسي ماذا لو أخذوا برأي جلالته ؟ وسنضيف إليه سؤالا آخر متى سنكون دولا بمعنى كلمة دولة ولن نكون مجرد مدنا للملح ؟
دائما تتبع السياسة العمانية الهدوء بحيث لا يتم الإعلان في وسائل الإعلام عما يدور في الاجتماعات إلا بإشارات قليلة لا تشفي غليل المتابع المدقق أو الباحث المهتم ، وتكاد تكون صيغة الأخبار متشابهة دائما كأن يقال عن أي اجتماع ثنائي مثلا ( إنه تم تبادل الآراء حول العلاقات الثنائية بين البلدين وكذلك وجهات النظر في القضايا ذات الاهتمام المشترك ) ، وقد تكون هذه السياسة جيدة إذ لا نعطي أنفسنا أكبر من حجمنا ، ولكن الشيء غير الجيد هو أن تغيب الحقائق عن جيل كامل من المواطنين الذين من حقهم أن يكونوا في الصورة خاصة إذا كانت هذه الحقائق هامة ، مثل استقبال جلالة السلطان المعظم في مسقط الشهر الماضي لمنو شهر متكي وزير الخارجية الإيراني ثم بعد ساعة من ذلك اجتماعه بالرئيس المصري حسني مبارك وما دار في اللقاءين من تقريب وجهات النظر بين مصر وإيران ، حيث تم الأمر بهدوء إعلامي ولم ينتبه أحد إلى مغزى اللقاءين.
وأذكر أن دبوماسيا غربيا قال لي إن دول الخليج لو أخذت برأي السلطان قابوس ربما لجنبت نفسها مخاطر كثيرة منها احتلال الكويت وما تبع ذلك ، قلت له وما هو هذا الرأي فقال ( إن جلالة السلطان عرض على زعماء المنطقة أن يعطوا العراق ما طلبه الرئيس العراقي الراحل صدام حسين من مبالغ مالية من الكويت تعويضا عما ظنه العراق أنه حقه من النفط الذي استغلته دولة الكويت ، وكان رأي جلالته أنه يجب أن ننظر إلى المسألة بواقعية وأن العراق خرج من حربه مع إيران منهك وإن جلالته اقترح إذا كانت الكويت لا تستطيع أن تدفع المبلغ أن تساهم دول المنطقة كلها في دفع هذا المبلغ من خلال إنشاء صندوق مشترك وإن عمان - رغم قلة مواردها - ستكون أول المتبرعين لأن عدم إعطاء العراق ذلك المبلغ سوف يجر المنطقة إلى ما لا يحمد عقباه ) كان ذلك كلام الدبلوماسي الغربي ، لكن الإخوة في المنطقة رفضوا ذلك رفضا قاطعا ظانين أن العصى الأمريكية الغليظة سوف تنال من صدام حسين وغيره حماية لهم أو حبا فيهم وهي نظرة أقرب إلى أن تكون ساذجة ، فكان ما كان وانتهت المنطقة إلى ما انتهت إليه الآن.
وربما موقف جلالته هذا هو الذي دعا الجنرال شوارزكوف القائد السابق للقوات الأمريكية في المنطقة أن يقول في مذكراته ( إن في المنطقة حكاما من ذوي الثقافات الغربية العالية مثل السلطان قابوس ، لكنه يرفض الإيمان بفكرة أن صدام حسين من القبضايات ) – أي كاوبوي أو قاطع طريق أو متهور.
وغدا تمر6 سنوات على احتلال العراق ألا نتساءل مع هذا الدبلوماسي الغربي ماذا لو أخذوا برأي جلالته ؟ ألم يكن ذلك قد جنب فعلا المنطقة ويلات الحروب والدمار والمرض والفقر ؟ ألم يكن الأولى أن تصرف كل المبالغ الضخمة تلك للتنمية وللإنسان في المنطقة ؟ لكن هذا بدوره يطرح تساءلا آخر وهو تساؤل مهم ويجب أن يطرح ، فربما يسأل أحدهم إذا كان ذلك هو موقف جلالة السلطان قابوس فلماذا شاركت السلطنة مع دول التحالف ؟ والإجابة عند جلالته عندما قال لرياض نجيب الريّس في مجلة المستقبل الباريسية ( إن الدول الكبرى عندما تريد أن تتدخل في المنطقة فلن تستأذننا أبدا ) وهذا ما حدث بالضبط خاصة عندما رفضت دول المنطقة الفكرة السلمية واعتمدت على العصى الأمريكية الغليظة ، وليس أدل على ذلك مما ذكره بوب وود وارد في كتابه ( جورج بوش محاربا ) ترجمته ونشرته دار العبيكان السعودية ، حيث يدخل الأمير بندر بن سلطان السفير السعودي السابق في واشنطن للرئيس بوش ويسأله بوش لماذا لم تحلق لحيتك فيجيبه ليس قبل أن تخلّصنا من صدام حسين !
ولكن هل هذه العصى أصابت العراق فقط في مقتل أم أنها أصابت الكل ؟
" 2 "
داخليا فإن الشعب العراقي قدم على مدى 6 سنوات أكثر من مليون شهيد وأكثر من 5 ملايين مهاجرا وملايين من اليتامي والأرامل والمصابين بعاهات هذا غير الانتهاكات في كرامة الإنسان ، ولم يتحول العراق إلى واحة للديمقراطية بل أصبح نموذجا للصراعات الطائفية والمذهبية والتي لم يكن لها وجود في السابق ، وتمت سرقة النفط العراقي جهارا نهارا ، وفقد العراق انتماءه العربي حتى وإن كان مقررا له أن يستضيف القمة العربية ال23 بعد عامين ، فهي استضافة لا معنى لها في ظل وجود حكومة تم تنصيبها من قبل المحتل الأمريكي ، فيما كان مفروضا أن يتم رفض التعامل معها عربيا لفقدانها الشرعية ، ولنا مثل في منظمة الوحدة الأفريقية التي رفضت الاعتراف بحكومة محمد ولد عبد العزيز في موريتانيا وكذلك تعليق المنظمة لعضوية مدغشقر لأن الرئيس راجولينا جاء بانقلاب سانده فيه العسكر رغم أنه انقلاب سلمي ، ولكن نترك الوضع الداخلي في العراق ونسأل ماذا خسرت دول الخليج والعرب باحتلال العراق ؟
" 3 "
من أبرز نتائج احتلال العراق وجود اختلال كبير في موازين القوى في المنطقة ، فبغيات العراق وما كان يمثله من ثقل خاصة بوجود قدرات وخبرات عسكرية تراكمت خلال الحرب مع إيران ، وبوجود قدرة صناعية عسكرية كبيرة مع رفع شعارات قومية أصبحت – للأسف – من الماضي البغيض الآن ، أصبح ذلك يؤرق أكثر من جهة لكن الجهة الأساسية التي كانت تحسب حسابات دقيقة لهذه القوة هي إسرائيل التي أصبحت المستفيد الأوحد فيما حصل للعراق وأصبحت المنطقة ساحة مفتوحة لها بغياب القوة المصرية من 30 عاما بعقد ما سمي باتفاقيات السلام في كامب ديفيد.
لكن – وللأسف أيضا – هناك الكثير من العرب لا يرون أن إسرائيل تشكل الخطر الحقيقي للأمة فيما هي في الحقيقة هي العدو ، ويرون أن إيران هي التي تشكل الخطر على دول الخليج ، ومن يرى هذا الرأي وبالذات دول الخليج العربية هم من أعطوا إيران هذه الفرصة واللحظة التاريخية التي استغلتها إيران – وهذا من حقها طبعا - ، فدول الخليج وجدت نفسها أمام قوة عسكرية وحيدة في المنطقة ولها طموحاتها السياسية المتعاظمة وتملك أوراق اللعب ليس في العراق فقط بل حتى داخل الدول الخليجية نفسها بوجود ملايين من الشيعة قد يتعاطفون مع التوجه الإيراني ووجود نفوذ اقتصادي كبير، ثم أكملت إيران كل ذلك بتأييد حركات المقاومة في فلسطين ولبنان وهي الحركات التي تتعاطف معها الشعوب العربية هذا مع غياب الدور العربي المرحلي والمستقبلي والاستراتيجي حتى قرأنا تصريحات إيرانية تقول إن البحرين محافظة إيرانية وهي نفس التوجهات الفارسية أيام شاه إيران السابق ، بل أصبح العراق نفسه يدار من طهران وفي الواقع هو الذي أصبح محافظة إيرانية ، وكأن دول الخليج وأمريكا تعاونا على تسليم العراق إلى إيران في طبق من ذهب.
" 4 "
إن الدول التي لا تقرأ التاريخ لا تعرف الحاضر ولن تعرف المستقبل فهي تعيش على الهامش وأقرب إلى أن تكون مدن الملح كما وصفها عبد الرحمن منيف في رائعته الخماسية فإذا ابتلت بالملح ذابت ، وهذا هو واقع الدول العربية كلها وليس دول الخليج العربية فقط
إن دول الخليج تعيش الآن كابوسا وقلقا مضاعفا من أي تقارب أمريكي مع إيران بعدما مد الرئيس باراك أوباما يد السلام إلى طهران وعرض عليها بداية جديدة لمحادثات دبلوماسية بينهما ، وتخشى دول الخليج أن تقدم أمريكا تنازلات لإيران التي نظروا إليها دائما بمزيج من الارتياب والعداء بحيث تشمل هذه التنازلات البرنامج النووي الإيراني أو التدخل الإيراني في العراق ولبنان وفلسطين
بل إن دول الخليج التي اعتمدت العصى الأمريكية الغليظة مع عراق صدام حسين تخشى الآن من انسحاب أمريكي مبكر من العراق إذ سيترك العراق في أيدي موالين لإيران والذين هيمنوا على العراق بعد احتلال العراق.
لقد ظنت دول الخليج أن العراق لن يكون مستنقعا لأمريكا وأن أمريكا بإمكانها أن تواصل حروبها وتتخلص أيضا من النظام الإيراني ، لكن الذي حصل هو أن إيران قويت وأصبحت اللاعب الرئيسي الوحيد الآن في المنطقة وتقزمت دول الخليج لأنها لا تملك خطا استراتيجيا بل لا تملك أي هدف ، وهي الآن محصورة بين مركزي قوة نوويين غير عربيين هما إيران وإسرائيل
" 5 "
ما الذي يمنع دول الخليج أو الدول العربية من أن تكون قوية ؟ وما الذي يمنعها من امتلاك مفاعلات نووية ؟ وما الذي يمنعها أن تكون دولا محورية أساسية ؟ وما الذي يجعلها تكون دائما تابعة لأمريكا وطوع أمرها ؟ أمن قلة مواردها أو من قلة أصدقائها أو المحتاجين إلى نفطها ؟ لقد دفعت هذه الدول بسقوط بغداد أضعاف ما كانت ستدفعه للعراق تعويضا عن حرب قامت بها ضد إيران على حساب المشروع الصهيوني والأمريكي بدعم مباشر من الدول الخليجية ، وعندما تتحسن العلاقات بين أمريكا وإيران وهو متوقع لأن منطق القوة يفرض نفسه دائما فإن دول الخليج ستدفع الثمن مرة أخرى وستظهر المسألة وكأن واشنطن تكافيء طهران على صمودها وتحديها وكأنها تعاقب حلفاءها حكام الخليج الذين تحملوا غضبا شعبيا – ولو أنه كان مكبوتا – ووصل الأمر إلى العنف والانفجارات في بعض الدول الخليجية مثل السعودية رفضا لهذه التبعية المعلنة وغير المعلنة منذ أكثر من 50 عاما.
وسنعود إلى السؤال الأساسي ماذا لو أخذوا برأي جلالته ؟ وسنضيف إليه سؤالا آخر متى سنكون دولا بمعنى كلمة دولة ولن نكون مجرد مدنا للملح ؟
No comments:
Post a Comment