زاهر بن حارث المحروقي
كاتب عماني
1
أظن أن شهادة ميلاد الجمعية العمانية للكتاب والأدباء صدرت الأسبوع الماضي فقط ، الذي حفل بشيئين لا يخفى مغزاهما ، الأول هو انعقاد ندوة ( الكلمة بين فضاءات الحرية وحدود المساءلة ) التي نظمتها الجمعية ، والثاني هو صدور الحكم بما يشبه براءة الكاتب المهندس علي الزويدي عضو الجمعية ، نظرا للجهود التي قامت بها الجمعية للدفاع عنه وما رافق ذلك من زخم إعلامي كبير في المنتديات والفضائيات والصحف والمجلات ، مما أعطى الجمعية فعلا قيمة أدبية وسمعة إعلامية كبيرة جعلها بالفعل تخرج من مجرد مسمى إلى جمعية حقيقية تؤدي الدور المطلوب منها مثل بقية الجمعيات في العالم ، ولا أقصد أن الجمعية ولدت ضعيفة حتى صدور شهادة ميلادها ، بل ولدت عملاقة من الأول ويكفي للتدليل على ذلك تلك الانتخابات التي أجرتها لاختيار مجلس إدارتها الجديد .
إن ندوة الكلمة بين فضاءات الحرية وحدود المساءلة ، اكتسبت أهميتها من المواضيع المطروحة فيها ، مما أكسبها ذلك الحضور الجيد والتفاعل الكبير مع ما طرح فيها من مناقشات شارك فيها نخبة من أهم مثقفي وقانونيي وإعلاميي السلطنة بهدف بناء مجتمع مدني سليم ، ويعتبر الحضور الكبير لفعاليات الندوة على مدى يومين مؤشرا كبيرا لأهميتها ولنجاحها ، فلأول مرة تمتلئ جنبات النادي الثقافي عن بكرة أبيها ، بعد الأمسية التي أقامها الشاعر الراحل نزار قباني ، في حين لا يحضربقية الفعاليات غالبا أكثر من 30 شخصا وهي إشارة جيدة على أن الجمهور يتفاعل مع كل ما هو جيد وما يمس حياته اليومية وهي إشارة أخرى أيضا على نجاح الجمعية في اختيار موضوع الندوة وفي توقيتها أيضا إذ أنها سبقت جلسة النطق بالحكم على الكاتب علي الزويدي بيوم فقط .
لقد حضر فعاليات الندوة صفوة المجتمع من المسؤولين والمثقفين ومن الادعاء العام وقضاة المحكمة العليا وغيرها من المحاكم والمحامين والمدونين ، إضافة – طبعا – إلى الأجهزة الأخرى المهتمة بمتابعة الرأي العام والتي لها علاقة من قريب أو بعيد مع الكلمة وحريتها أو مع الكلمة وضد حريتها .
2
إن الحكومات بصفة عامة تنظر إلى قضية حرية التعبير دائما بتوجس وخيفة لذا جاءت هذه الندوة - كما قال سليمان المعمري رئيس الجمعية العمانية للكتّاب والأدباء - محاولة لإزالة اللبس في مفهوم الحرية وتطبيقها بين الكاتب والمسؤول والمواطن ، وهي مهمة ليست سهلة أبدا وتحتاج إلى العديد من الندوات وحلقات النقاش لأن الانغلاق ورفض النقد موروث قديم متغلغل في العقول رغم المتغيرات العالمية في ذلك ، بعدما أصبح العالم بيتا صغيرا الآن ، لذا جاءت الندوة في توقيت مناسب حيث يشهد العالم قفزات كبيرة في مجال حرية التعبير بوجود وسائل بديلة عن الإعلام الرسمي والصحف مع وفرة في منتديات الحوار والمدونات وقفزة في مجال الإتصالات ، وهناك اليوم إمكانية غير مسبوقة للوصول إلى المعلومات والأخبار أولا بأول دون الاعتماد على المصادر المحلية فقط ، كما يوجد الآن في شبكة المعلومات عدد هائل من الكتب والمجلات والأفلام والمدونات إضافة إلى مواقع تتبنى الدفاع عن حرية التعبير في الرأي ومنظمات تدافع عن حرية الكلمة .
مما أدى بالحكومات بأن تسارع في سن قوانين تنظم أو تجرم من تعتقده أنه قد تجاوز حده في التعبير ، في وقت كان فيه الأولى أن تبحث عن وسائل أخرى لمسايرة هذا التطور وهذه القفزة في مجال التعبير بأن تعطي مساحات واسعة للتعبير وإبداء الرأي بحرية دون قيود طالما أن ذلك لا يمس أحدا بسوء أو يؤدي إلى التشهير أو يضر بالأمن العام ، وأقصد من ذلك أن النقد البناء والهادف يجب أن يكون مرحبا به لا أقصد النقد الهدّام .
وقد أبدى المشاركون في الندوة على مدى يومين العديد من الآراء والاقتراحات ولا أقول الانتقادات حول حرية التعبير عن الرأي ، فيما قدّم القانونيون من محامين وغيرهم آراءهم واقتراحاتهم حول بعض القوانين و البنود التي رأوا فيها نوعا من الغموض أو العمومية بحيث تتيح لكل أحد أن يجتهد في تفسيرها باعتبارها عبارات فضفاضة فقط مما قد يوقع إشكالات كثيرة سواء للكتاب أو المسؤولين عن الكلمة أو جهات الاختصاص كالإدعاء العام أو القضاء ، كما أن العديد من أصحاب المواقع والمنتديات شاركوا في المناقشات وقدّموا تجربتهم أمام الملأ وما تعرضوا له من مساءلة وتحقيق وهذا بدوره أعطى الندوة قوة وبعدا آخر بعيدا عن الكلام النظري فقط ، وشارك فيها أيضا بعض الصحفيين بما يعني أن الندوة جمعت كل أطياف أرباب الكلمة .
3
إن حرية التعبير مطلب مهم و شرعى ذلك لأن قيمة الانسان تكمن في حريته وكل قمع لحرية الانسان هو حط من قيمته طبعا ، وليس معنى الحرية في التعبير هو إساءة للآخرين أو الضرر بهم ثم إنه لا يعني أن على الحكومة أن تأخذ كل رأي أنه واجب التنفيذ ، لكن يجب على صاحب الرأي أن يبديه ويعلن ما يعتقده أنه صواب ، والأمم الحية لم تبن إلا بمفكريها ، و على الحكومة أن تدرس بما جاء في هذه الندوة لمستقبل أفضل ولأجل بناء علاقة ثقة جيدة بينها وبين أصحاب الرأي ، لأن موضوع حرية الرأي أصبح يشغل الآن قطاعا كبيرا من المنظمات والمنتديات العالمية وليس في السلطنة فقط ، ومن ذلك مثلا أنه من المقرر أن ينظم المنتدى العالمي لحرية التعبير لقاء له في أوسلو من 1 إلى 6 من شهر يونيو المقبل يشارك فيه كبار المفكرين في العالم للعمل سويا والنقاش حول مسألة حرية التعبير مع النشطاء في جميع أنحاء العالم ، وسيجمع المنتدى دعاة حرية التعبير وممارسيها من مختلف أنحاء العالم ، ويفتح لهم المجال لتبادل المهارات والأفكار وأفضل الممارسات لوضع استراتيجيات وأساليب للعمل في البيئات الخطرة وبناء فرص للاتصال والتعاون مع الجهات الفاعلة الأخرى ، كما أن اللقاء سيكون مصدر إلهام للمشاركين لمواصلة عملهم من خلال إيجاد روابط جديدة وعلاقات عمل مع الآخرين من أجل تعزيز وحماية حرية التعبير ، وبرنامج هذا اللقاء والمحاضرون فيه على موقع المنتدى العالمي لحرية التعبير في الشبكة مع شروط الالتحاق وغير ذلك .
4
إن الرسالة القصيرة الموجهة من ندوة الكلمة بين فضاءات الحرية وحدود المساءلة هي أننا لكي نبني مجتمعا مدنيا راقيا لا بد من إعطاء الفرصة للحرية المسؤولة للتعبير عن الرأي ولا بد من مراجعة كل القوانين التي تنظم ذلك بما يتماشى مع التطورات العالمية في هذا المجال ، لأن من يريد أن يدخل أي مكان ويجد الباب موصدا وهو مضطر للدخول سوف يلجأ إلى النافذة ، ونوافذ هذا الزمان من الوسع بمكان ، وقديما قالت العرب إن صديقك من صدقك لا من صدّقك ، والحكومات مثل الأفراد لها أمزجتها وهي تميل دائما – كما الأفراد – إلى سماع كلمة الإطراء حتى لو كانت كاذبة ، وهي تتضايق – كما الأفراد – من أي كلمة فيها الصدق ولكنها قد تكون غير مرغوبة ، بينما الواقع يقول رحم الله من أهدى إلي عيوبي ثم إن كلمة شكر واجبة على من فكر وأعد ونفذ ندوة كهذه فالناس كانوا في مسيس الحاجة إليها لأن قضية حرية التعبير تشغل بالهم ، ويكفي للدلالة على ذلك ما لقيه الكاتب علي الزويدي من تأييد وتعاطف سواء كان مخطئا أو مصيبا ، ويكفي ذلك الحضور الكبير الذي حضر جلسة النطق بالحكم وهو مؤشر يجب أن يؤخذ في الاعتبار لأن دلالاته كبيرة ، فالانتصار لعلي الزويدي كان انتصارا لقيم كثيرة منها حرية التعبير عن الكلمة ، وانتصارا لرسالة وسائل الإعلام في كشف الحقائق خاصة إذا كانت متعلقة بالفساد ، إذ أن حاكم البلاد المفدى حفظه الله ورعاه - وهو صاحب صيحة لن نسمح بمصادرة الفكرأبدا - أعلن بحزم وبصوت جهوري وعال وعلى الملأ تصديه للفساد والمفسدين ، ويأتي على رأس قائمة هؤلاء – أي من أنجح الندوة وليس المفسدين – سليمان المعمري رئيس جمعية الكتاب والأدباء العمانيين ، والشاعر ناصر البدري رئيسها السابق ، إضافة إلى الباحث والكاتب السياسي سعيد بن سلطان الهاشمي الذي انشغل بأمور الجمعية وابتعد كثيرا عن الكتابة.
على أن هناك نقطة أخرى متعلقة بالموضوع ، فجمعية الكتاب ورئيسها سليمان المعمري ووسائل الإعلام والمحامون كلهم أشادوا بنزاهة القضاء العماني لانتصاره لحرية الكلمة ولم يكن قضاء متعجرفا مما أكسب السلطنة سمعة عالمية جيدة في مجال حرية التعبير ، وهذا بدوره يعطي القضاء مسؤولية كبيرة في الحفاظ على هذه المكانة باعتبار القضاء يجب أن يكون فعلا حرا ومستقلا لا يؤثر عليه شخص أو مجموعة أشخاص أو جهاز أو مجموعة أجهزة أو مصالح معينة أو اعتبارات شخصية .
5
لقد أضاءت الجمعية العمانية للكتاب والأدباء شعمة ولعنت في الوقت نفسه الظلام ، ومشت - ومشى وراءها الكثيرون - الخطوة الأولى الصحيحة نحو آلاف الأميال في حرية التعبير عن الكلمة .
No comments:
Post a Comment