زاهر بن حارث المحروقي
كاتب عماني
1
قد نتفهم أن يتولى الغرب تشويه سمعة الإسلام والعرب لأسباب كثيرة منها تاريخهم الاستعماري ونهبهم لثروات المنطقة عن طريق إضعافها ومنها إظهار المسلمين كأنهم متخلفون ومجرد إرهابيين ومنها الدفاع عن سجلهم ومحاولة إلصاق التهم بغيرهم ، ولكن الذي لا نستطيع أن نتفهمه هو أن تتولى دول أفريقية تشويه سمعة العرب وبالذات العمانيين تحقيقا للهدف الغربي نفسه كما هو مزمع في تنزانيا يوم 25/10/2009 حيث يعقد مؤتمر لمناقشة موضوع ( اتجار العرب بالرقيق في شرق أفريقيا ) والذي يستمر 5 أيام بمشاركة عالمية كبيرة حيث سيلقي فخامة الرئيس التنزاني جاكايا مريشو كيكوتي كلمة في المجتمعين في اليوم الثاني من أعمال المؤتمر الذي تشارك فيه شخصيات عالمية مهمة مثل السفير الأمريكي السابق في تنزانيا تشالز ستيف من جامعة بوسطن ومايكل جوميز رئيس لجنة العلوم في اليونسكو ود. ستيفين لبكمان من جامعة جورج واشنطن بأمريكا وجيمزآلي من مركز سميثسونيان الشهير وهو أكبر المراكز البحثية العالمية هذا إلى مشاركة ما يزيد على مئتي موفد من أفريقيا وجزر الكاريبي وأمريكا الجنوبية والولايات المتحدة الأمريكية كما يشمل الحضور عددا من المسؤولين القياديين الحكوميين وممثلي المؤسسات والأعمال التجارية وعدد من الفنانين البارزين وقادة النشاط السياحي ، وفي اليوم الأخير كما هو مقرر في الجدول سيتحدث الرئيس أمان عبيد كرومي للمجتمعين.
2
إننا في عمان نهتم اهتماما بالغا بتراثنا ومن ذلك مثلا أن ينشىء جلالة السلطان المعظم وزارة خاصة مهتمة بالتراث وقد كان من نتائج ذلك الاهتمام أن اهتمت الدولة بطريق الحرير التاريخي إذ كانت السلطنة طرفا رئيسيا في ذلك الطريق وذلك من خلال إحياء مثل تلك الرحلات التاريخية كما أنه لا يخفى اهتمام جلالة السلطان المعظم بإحياء طريق عمان الصين البحري وخير دليل على ذلك رحلة السفينة صحار إلى كانتون عام 1982 ، ولكن يبدو أن الآخرين لهم رأي آخر فإن حكومة تنزانيا تهدف وراء عقد مؤتمر اتجار العرب بالرقيق في شرق أفريقيا إلى إلقاء الضوء على الافتتاح الرسمي لمشروع سياحة التراث التنزاني الجديد وهو ( طريق العاج والرقيق ) حيث يمثل هذا الطريق الرحلة الأولى للمواقع والمدن والمناطق التي كانت تمر بها قوافل تجارة الرقيق في تنزانيا وشرق أفريقيا حيث تم اصطياد أكثر من 5 ملايين أفريقي واسترقاقهم وشحنهم إلى الشرق الأوسط والهند كما يعلن عن ذلك منظمو المؤتمر في موقعهم على شبكة الأنترنت وهي إشارة واضحة على أن هدف المؤتمر هو إلصاق التهمة بالعمانيين بأنهم كانوا فقط تجارا للرقيق مما يعني أيضا أن ذلك الطريق الذي تنظمه تنزانيا لما تسميه في مؤتمرها بطريق العاج والرقيق ليس إلا ردا على طريق الحرير التاريخي الذي شاركت فيه السلطنة في السابق إحياء لذلك التاريخ.
وفي ورقة أعدها الشيخ محمد بن سعيد المحروقي عضو الهيئة الاستشارية لمجلس التعاون - وهو الذي له العديد من البحوث والدراسات وله بعض المشاركات في الخارج - أشار إلى أنه لا يمكن اعتبار مثل هذا المؤتمر حدثا عاديا حيث سيتعرض إلى السلطنة دون شك بل وقد يشار إليها باعتبارها صاحبة الدور الأساسي في تجارة الرقيق على الرغم أن السلطنة لم يتم إخطارها بالمؤتمر ولم يتم تقديم الدعوة لها لحضوره مما يدعو إلى القلق ، ويرى أن المؤتمر سيلهب نار الحقد والكراهية ضد العمانيين وغيرهم من العرب من جديد ولا يستطيع أحد التنبؤ بما يمكن أن يحدث نتيجة لذلك فالعنوان العنصري الكاذب والمنحاز الذي تم اختياره للمؤتمر قد يضفي شرعية زائفة لأولئك الذين ارتكبوا جريمة التطهير العرقي في زنجبار عام 1964 وتعزز هذه الشرعية في المقام الأول مبرراتهم لارتكاب تلك الجريمة وتوفر غطاء مناسبا لما يمكن أن يقع من فظائع مستقبلا .
والحقيقة التاريخية تقول إن العمانيين لم يكونوا وحدهم من شارك في تجارة الرقيق في شرق أفريقيا ولم يكن دورهم أساسيا كما يشاع فدورهم كان ثانويا جدا إذا ما قورن بدور البرتغاليين ، ففي البرازيل وحدها مثلا وكانت مستعمرة برتغالية هناك أكثر من 70 مليون نسمة من أصول أفريقية وهذا الرقم يعادل مجموع سكان كل دول مجلس التعاون الخليجي إضافة إلى سكان اليمن وكذلك هناك عشرات الملايين من أصول أفريقية في كل من أمريكا الشمالية والجنوبية وكندا والجزر الكاريبي وهم ممن تم استرقاقهم من غرب أفريقيا التي لم يصل إليها الحكم العماني أبدا ولا وصلها العمانيون.
ويرى الشيخ محمد المحروقي في ورقته تلك أن هذا المؤتمر يهدف إلى استغلال المؤسسات والشخصيات البارزة لتشويه صورة العرب ( وكلمة العرب في الشرق الأفريقي تعني العماني ) في حملة يستهدف من ورائها الإسلام وهي حملة أيضا تستهدف التخفيف من وحشية الرجل الأبيض الذي كان سببا في الكثير من حملات التطهير العرقي والمذابح ونزوح الشعوب التي يطلقون عليها اسم السكان الأصليين في كل أركان الدنيا ويشمل هؤلاء الهنود الحمر وغيرهم ، وربما كانت هذه الحملات محاولة لصرف أنظار العالم عما يدور الآن من حروبهم ضد البلدان الإسلامية ، ولكن إذا أحسنّا الظن بمن ينظم المؤتمر فإننا نقول من الجائز أنهم يجهلون بالفعل حقائق التاريخ إلا أن الواجب يحتم علينا تصحيح مفاهيمهم عن طريق العمل البناء حتى نتمكن من مخاطبة عقولهم ويمكن تحقيق ذلك بمدخل علمي يتمثل في إيجاد جيل جديد من العلماء المثقفين في شرق أفريقيا نفسها ، وقد يتساءل أحدهم بحسن نية أو بسوئها ما لنا ومال هذا المؤتمر ؟ وقد يكون التساؤل في محله فالذي يجدر التركيز عليه هو أن البذرة الأولى للوضع الخطير الراهن تم زرعها مع دخول الاستعمار وتحول شرق أفريقيا إلى المسيحية هذا إضافة إلى ما قام به الأوروبيون من صناعة الكراهية في نفوس المواطنين الأفارقة ضد العمانيين وضد السلاطيين البوسعيديين حيث نتج عن تلك البذرة الثمار المرة في مطلع الستينيات عندما تم ذبح آلاف العمانيين دون تمييز وفر الناجون إلى عمان وغيرها من بلدان العالم ، ولكن هل هذا هو كل شيء ؟!
3
إن مسلسل الكراهية ضد العمانيين يتواصل دون أي عائق حيث يتم اقتياد السواح وتلاميذ المدارس إلى مواقع معينة في تنزانيا حيث يتم سرد حكايات الرعب بعاطفة درامية جياشة يندر أن تجد مثيلا لها حتى في أفلام بوليود الهندية ، وقد قال لي الأخ صالح بن جمعة البلوشي وهو من المتابعين الجيدين للأحداث والقراء المتميزين إنه كان في رحلة إلى زنجبار وتصادف أن كان مع فوج أوروبي فإذا به يسمع كلاما جارحا من المرشد السياحي عن وحشية العمانيين في تجارة الرقيق لدرجة - كما قال لي - أراد أن تنشق الأرض وتبتلعه ! ولقد تم نشر العديد من كتب الافتراءات الكاذبة ضد العمانيين باللغة السواحلية في تنزانيا كما تحمل المناهج الدراسية معلومات مشابهة و لم يتم الاعتراض على هذا العدوان الظالم من أية جهة مما أدى بهم إلى التمادي وتغيير الحقائق وتشويهها ، وتتصاعد هذه الأيام حدة حملات الكراهية ضد العرب في شرق أفريقيا وفي تنزانيا بصفة خاصة فمن يلقي نظرة على مقالات الصحف السواحلية ووسائل إعلام البريد الإلكتروني والمناهج الدراسية بل وحتى البرامج الإذاعية يلحظ ذلك ببساطة وبإمكان الحصول على مقررات التاريخ الذي يتم تدريسه في مدارس تنزانيا للتحليل كما يمكن إجراء المقابلات الشخصية مع الطلاب للتعرف على ما يقوله لهم معلمو التاريخ وكذلك فإن الأخبار الإلكترونية ومعلومات الأنترنت في متناول اليد للدراسة والتحليل.
لقد كانت نتيجة تلك الحملات التشويهية للعرب أن تمت مذابح عام 64 وحتى يومنا هذا - بكل أسف - لم ينهض أحد ليعلن عن التطهير العرقي الذي حدث في زنجبار ولو حدث ذلك لتم التعرف على الكثيرين ممن شاركوا في تلك الإبادة الجماعية كما حدث في الإبادات الجماعية التي وقعت في ألمانيا والبوسنة ورواندا ولكن مع ذلك فهناك ما يثلج الصدر حيث قال لي الشيخ محمد المحروقي إن جملة من الأدلة والبراهين التي تم التوصل إليها عن طريق البحث العلمي المضني والتقصي عن الحقائق وهي أدلة تلقي الضوء على القتلة ومراحل استعدادهم لتنفيذ جريمتهم وأجندتهم للإبادة قد شارفت على الاكتمال وسيتم نشرها في القريب العاجل بإذن الله تعالى.
4
إن كتابتي لموضوع المؤتمر الذي سيعقد في تنزانيا الشهر الحالي حول تهمة اتجار العرب بالرقيق في شرق أفريقيا وبعض المقالات التي كتبتها في السابق عن زنجبار لا تأتي من باب التغني بأمجاد الماضي - كما ظن البعض - بل تأتي للنظر إلى المستقبل فلا يخفى على أحد ما تمثله الآن القارة الأفريقية من أهمية للعالم فالكل يتسابق إليها من أمريكا وأوروبا والصين وإسرائيل بينما نحن نغيب عنها تماما في وقت تعقد هناك مؤتمرات لصناعة المزيد من الكراهية لنا ولا يمكن أبدا أن تأتي مؤتمرات كهذه بعفوية ، فما الحكمة من دعوة أشهر الممثلين الأمريكيين من الأصول الأفريقية والمفكرين الكاريبيين واليونسكو وغيرهم لحضور فعاليات المؤتمر ؟ المنطق يقول إنه كان على منظمي المؤتمر أن يزوروا السلطنة أولا لجمع المعلومات المتعلقة بموضوعات المؤتمر ولإشراك الحكومة العمانية بصورة موضوعية تجعل الهدف النهائي للمؤتمر تعزيز حسن العلاقات والاحترام المتبادل والتعاون في شتى مناحي الحياة بين عمان وبلدان شرق أفريقيا وخاصة زنجبار.
وإذا كانت الدعوة لم توجه للسلطنة للمشاركة في المؤتمر - وهذا شيء طبيعي - فإنه كان علينا أن نشارك فيه من خلال بعض الغيورين والمخلصين والمهتمين بالتاريخ العماني عامة وبتاريخ الوجود العماني في الشرق الأفريقي خاصة وقد حان الوقت لبذل جهد علمي جاد للتصدي لكل من ملأ الدنيا كذبا وتلفيقا ولكل من يساندونهم علنا أو من وراء حجاب في وقت يتظاهرون فيه بأنهم أصدقاؤنا والمطلوب أن نقوم بذلك عن طريق بيان الأدلة والبراهين الناتجة عن البحث العلمي الرصين والمعلومات التاريخية الموثقة وأن يكون مدخلنا لهذه الخطوة التدخل الناعم بعيدا عن الحكومة لا المواجهة ، ومن اليوم إلى يوم افتتاح المؤتمر وهو وقت طويل فالدعوة موجهة إلى المسؤولين المختصين ليروا ماذا هم فاعلون ؟!
منشور في جريدة الشبيبة العمانية في 13 أكتوبر 2009م
No comments:
Post a Comment