زاهر بن حارث المحروقي
كاتب عماني
" 1 "
لقد أثار الأخ راشد بن شنون السيابي موضوعا مهما عندما كتب مقالة تحت عنوان ( إيش سويت.. يامعلق! ) انتقد فيها معلق مباراة منتخبنا الوطني مع المنتخب الأسترالي والتي أقيمت في مجمع السلطان قابوس الرياضي ببوشر يوم 14/11/2009 تناول فيها راشد تواضع مستوى المعلق والأخطاء الكبيرة التي وقع فيها وقال إذا كان المنتخب قدم أسوأ مبارياته منذ استلم كولود لوروا دفة الفريق فإن القائمين على البرنامج الثاني لم يوفقوا في اختيار معلق المباراة بعد أن أحرق أعصاب الجماهير من خلال التعليق المتواضع سواء في اختياره الكلمات أو حتى في أسماء اللاعبين بعد أن ( أشبعنا ) بأبو فلان وأبو فلان بينما كانت الفرص الثمينة لمنتخبنا تهدر الواحدة تلو الأخرى كما أنه كان يذهب بعيدا عن التعليق عن المباراة حينما أشار أن مباراة المنتخب الجزائري والمصري والمنتخب البرازيلي والإنجليزي هي الأهم وتناسى أن منتخبنا يخوض أحد أهم اللقاءات في تصفيات آسيا .
ويقول الأخ راشد في مقالته تلك إن هناك من يعتقد أن كل من أمسك (بناقل الصوت) أصبح معلقا ويمكن أن يعلق كما يحلو له دون مراعاة لظروف المباراة ومشاعر الجماهير التي ألغت كل ارتباطاتها للجلوس أمام شاشة التلفاز لكنها تصطدم بتعليق يزيد من الضعط الكروي الذي أظهره منتخبنا في تلك المباراة وإن الاتصالات التي تلقاها القسم الرياضي وهي تبدي استياءها من طريقة الأسلوب والطرح في التعليق والأداء المتواضع الذي ظهر به المنتخب كانت أكثرها في محلها بدرجة لا تقبل الجدال أو الاختلاف في الرأي حول مستوى المنتخب أو مستوى التعليق .
" 2 "
إن الأخ راشد طرح موضوعا كبيرا كان يجب أن يطرح من فترة طويلة وهو موضوع تأهيل الكوادر العمانية في المجالات كافة وليس في مجال الإعلام وحده لأن سياسة التعمين بقدر ما هي جيدة وهدفها نبيل على المدى القصير والبعيد إلا أنه يجب أن نعترف أن هناك أخطاء كثيرة رافقت التنفيذ منها سرعة الإحلال قبل التأهيل الجيد حيث كان من نتيجة ذلك مثلا في مجال التجارة أن كثيرا من المحلات التي تولى العمانيون إدارتها أغلقت وكثيرا من البضائع اختفت مع ما رافق ذلك من غلاء فلم يبق للإنسان إلا أن يذهب إلى المتاجر الكبيرة فقط مما أضر بالمتاجر الصغيرة وبالتالي خسر التجار العمانيون . وما حصل مع التجارة حصل مع التعليم والصحة والإعلام وكل القطاعات التي تم تعمينها إذ إن الخطأ ربما كان في سرعة التعمين أو قلة التأهيل مع العلم بأن الدولة تكلفت مبالغ كثيرة لمساندة العمانيين مثلما هو حاصل في مشروع سند وغيره من المشروعات مما يستدعي الآن إعادة تقييم التجربة ومعرفة مكامن الخطأ فيها حتى يأخذ العماني مكانه وحتى يتم التقليل من العمالة الوافدة التي تشكل مشكلة كبرى ليس على مستوى السلطنة فقط بل على مستوى المنطقة ككل، لأن التعمين إذا كان مطلوبا وهو هدف وطني ونبيل فيجب أيضا على العمانيين أن يكونوا أهلا للمسؤولية في أي عمل يقومون به حتى تختفي العبارات التي تتردد بأننا قد خسرنا الكثير عندما تم تعمين كل المهمين وهو كلام قد تردد بالفعل .
" 3 "
ويبقى أن الإعلام في أي مكان في العالم هو المرآة الحقيقية لأي بلد والإعلامي يعتبر أيضا سفيرا لأي بلد ، وتستطيع أن تحكم على أي بلد من البلدان من خلال إعلامه وما يبثه ومن خلال ثقافة وسلوك الإعلاميين فإن كانوا مثقفين فيمكن أن تحكم أن شعوبهم مثقفة وكذلك إن كان سلوكهم جيدا فهو مؤشر للسلوك العام لذلك البلد - أو أن هذا هو الذي يجب أن يكون - ، ولذا فإن الحديث عن الإعلام يجب أن يحتل الأولوية بعد أن أصبح لنا قنوات فضائية مرئية ومسموعة .
فإذا كانت الرياضة قد تطورت عندنا وأصبحت منتخباتنا تحقق نتائج جيدة فهي بذلك قد حققت دعاية جيدة للسلطنة ويكفي ما فعلته قناة الجزيرة الرياضية من دعاية للسلطنة أيام كأس الخليج ويكفي أيضا ما فعله المنتخب العماني لكرة القدم من تعريف بالسلطنة بعد فوزه بالكأس ولكن هل الإعلام العماني قد ساير تلك الإنجازات ؟ بمعنى آخر هل حقق شيئا من أهدافه بتعريف السلطنة للعالم ؟
أظن أننا تسرعنا عندما أنشأنا قناة فضائية ثانية في وقت كان يجب فيه أن ينصبّ الجهد في تطوير القناة الأصلية وفي تكوين الكوادر الإعلامية وتأهيلها التأهيل الجيد حتى تحل محل الخبرات التي انتقلت إلى الفضائيات الأخرى أو أن تحل على الأقل تدريجيا محل الخبرات العمانية التي أعطت الكثير منذ سنوات التأسيس ويكاد يختفي دورها الآن وما ينطبق على التلفاز ينطبق تماما على الإذاعة التي تبث في اليوم الواحد أكثر من 60 ساعة إرسال ما بين البرنامج العام والشباب والقرآن الكريم هذا بخلاف البرنامج الأجنبي وهي مدة طويلة بكل المقاييس قد تكون على حساب الكيف .
إن السياسة الإعلامية العمانية سياسة جيدة تنبع من حكمة جلالة السلطان المعظم التي ترتكز على عدم التدخل في الشؤون الداخلية للغير وعلى عدم التهويل والمبالغة وعلى الهدوء في كل شيء مع التركيز على الشأن المحلي كما أنها تعتمد أيضا على الكوادر العمانية في كل شيء وهذا شيء جيد يحسب لنا ولكن السؤال الذي يجب أن يطرح هل استطعنا أن نكسب مشاهدين ولا أقول متابعين ؟
وبما أننا نبث فضائيا فإننا لا نستطيع أن نغرد وحدنا خارج السرب لذا يتعين علينا أن نعلم ماذا يريد المشاهد العربي من معرفته عن عمان ، والشواهد تدل على أن عمان لها سحرها وخصوصيتها لدى قطاع كبير من الناس كما أن الغموض يكتنف البعض وكل هذا يمكن أن يجعل من قنواتنا قنوات متابعة إذا أحسنّا عرض ما عندنا وهو كثير ولكن ذلك يحتاج إلى تأهيل الكوادر تأهيلا جيدا خاصة في القناة الثانية ويدخل في ذلك المعلقون الرياضيون لأن الإعلام الرياضي له جمهور كبير وله تأثيره على الناس وربما خير مثال على ذلك ما قام به الإعلام الحكومي والخاص من تأجيج نار الكراهية بين شعبي مصر والجزائر بسبب مباراة في كرة القدم ، والشعوب العربية للأسف الشديد بوجود إعلام ليس له رسالة أو هدف أصبحت تختصر الوطنية في كرة القدم فقط أو في الرياضة عموما ، فليس مهما أن تكون الأمة مهزومة في الميادين كافة ولكن المهم هو الفوز في الكرة التي أصبحت تلخص الكرامة والعزة .
وإذا كنت أركز على قضية التأهيل وهي قضية يتحمل مسؤوليتها المسؤولون فإن على الجيل الجديد أيضا مسؤولية أكبر في تأهيل نفسه وتثقيفه لأن الثقافة لا تلقّم أبدا ، وكما قال الأخ راشد السيابي إن ليس كل من مسك ناقل الصوت أصبح معلقا كذلك ليس كل من مسك ناقل الصوت أصبح مذيعا ، فلا معنى أبدا أن نستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير بمعنى آخر أنه يجب علينا أن نبدأ من حيث انتهى الآخرون لا أن نبدأ من حيث بدأ الآخرون .!
والحديث عن الإعلام حديث ذو شجون وقد يجرنا إلى نقاط كثيرة ولكن بما أن كل تجربة تحتاج إلى تقييم فأرى أنه حان الأوان أن نسأل هل أضافت القناة الفضائية الثانية شيئا للسلطنة أو للإعلام العماني ؟ لقد قال لي أحد الإعلاميين في إذاعة البي بي سي كان الأولى أن يتم التركيز على إنجاح القناة الأولى حتى تكون مشاهدة على مستوى العالم العربي وهو الذي قال لي إن لعمان خصوصيتها وتميزها عن الآخرين بتاريخها وحضارتها ونهضتها وكفاحها ولكن من يشاهد القناتين فإنه لن يلحظ ذلك أبدا ، وعندما سألته هل معنى كلامك أننا لا نبث شيئا ذا بال أبدا ؟ قال لي إنه وكثير من زملاءه لا يشاهدون من التلفزيون العماني إلا معزوفات الأروكسترا السيمفوني السلطاني التي يتميز بها بالفعل التلفزيون العماني وإنه لحبه لعمان ولعلاقته الجيدة بالمسؤولين في وزارة الإعلام حاول أن يتابع القناة الثانية فإذا بها لم تضف شيئا لعمان أو للإعلام العماني ، وأضاف أنه إذا كانت معزوفات الأوركسترا السيمفوني السلطاني هي أفضل ما يقدمه التلفزيون العماني فإنه سئل في مصر يوما عن أفضل ما تقدمه القنوات المصرية الرسمية فقال فورا أذان قيثارة السماء الشيخ محمد رفعت رحمه الله ومع ذلك توقف ذلك الأذان .
" 4 "
إننا نعيش الآن عالم الفضاء وعالم الإعلام من إذاعة وتلفزيون وصحافة وأنترنت ومواقع حوار وإن العنصر الفعال في نجاح كل ذلك هو العنصر البشري والمادي فإذا أردنا فعلا أن نعكس الصورة الجيدة عن السلطنة يجب أن نهتم بتأهيل ذلك الكادر مع إحلال العناصر الجديدة تدريجيا حتى نصل إلى الناس ونكون مقتنعين ففي الأول وفي النهاية فإن السلطنة تستاهل كل خير وحققت إنجازات كثيرة في العهد الزاهر ويجب أن تستمر تلك الإنجازات في كل المجالات ، وكما أردد دائما في معظم مقالاتي ليس عيبا أبدا أن نقف ونقيم الفترة الماضية ونعيد ترتيب الأوراق فإن أي تجربة لا بد أن يكون لها صوابها ولها أخطاؤها.
No comments:
Post a Comment