زاهر بن حارث المحروقي
كاتب عماني
1
يقول الشاعر محمد الحارثي في مقال كتبه عن تاريخ الصحافة العمانية إننا بحق نجحفُ الصحافة العُمانية إذا قلنا إنها تأسست عام 1970 مع ظهور صحيفة الوطن لكن ميلاد الصحافة العمانية تم قبل ذلك التاريخ بـ 61 عاماً، ليس في عُمان التي كانت تمر آنذاك بظروف لا تسمح بإصدار صحيفة بل صدرت فيما سماها محمد الحارثي “السلطنة التوأم” أي زنجبار
لقد كان عام 1911 عام الميلاد الحقيقي للصحافة العمانية بصدور جريدة النجاح في زنجبار والتي رأس تحريرها الشاعر الكبير أبو مسلم البهلاني الذي كان يكتب افتتاحياتها مركزا على الوحدة الوطنية وعلى نبذ الفرقة ، وقد صدرت تلك الجريدة في عهد السلطان الشاب السيد علي بن حمود صاحب النزعات الوطنية والذي كان يقف بالمرصاد ضد الإستعمار البريطاني حتى وقت إزاحته من الحكم وهو السلطان الذي عمل على تعريب كل شيء
وإضافة إلى صحيفة النجاح فهناك صحيفة الفلق التي تأسست عام 1920 والتي تناوب على رئاسة تحريرها نخبة من الكتاب العمانيين ربما كان الأبرز فيهم الشيخ هاشل بن راشد المسكري الذي كان – إضافة على أنه رجل فكر وسياسة – كان كريما مع كل العمانيين الذين ذهبوا إلى زنجبار طلبا للرزق حيث ذكر لي والدي رحمه الله ، أكثر من مرة أن الشيخ هاشل المسكري استقبله في أول وصوله إلى زنجبار وأكرمه وبما أن أبي كان فقيرا لا يملك شيئا فقد أهدى الشيخ هاشل قلما وقال له لا أملك شيئا أعطيكه إلا هذا القلم عسى أن يفيدك فيما تكتبه في جريدة الفلق التي كانت صلة وصل بين العمانيين في عُمان وزنجبار وهي التي اهتمت بقضايا الوطن الأم عمان رغم بعد المسافة ، وقد بقي أبي إلى آخر حياته يحمل ذكرى طيبة عن الشيخ هاشل المسكري رحمهما الله وكان دائما يصفه بأنه رجل ( مُهَنجَم ) والتي فهمت أنها تعني رجل شجاع وجسور ومقدام
لقد كانت أعداد كثيرة من الصحف العمانية في زنجبار ترسل إلى عمان عن طريق الكثير من الإشتراكات كما أشار إلى ذلك أحمد اللمكي أحد رؤساء تحرير الفلق المتأخرين في لقاء مع الزميل الإعلامي إبراهيم اليحمدي نشر في ملحق أشرعة بجريدة الوطن يوم الثلاثاء 15/12/2009
ويشير الشاعر محمد الحارثي إلى إن السفن الزنجبارية حملت أعداد تلك الصحف إلى داخلية عمان، وكانت تصل إلى المشتركين فيها على ظهور الجمال التي تحملها من ميناء صور الى سائر المناطق العمانية، كما تواصل بها المسير الى بومبي في الهند التي كانت حاضرة وواحة ثقافية وتجارية لكثير من أبناء الخليج ، كما أنها كانت تصل إلى بعض الأقطار العربية وعواصم كاسطنبول وباريس وتتابَعُ من قبل الساسة والمهتمين وهو دليل على نجاحها
” 2 ”
إضافة إلى النجاح والفلق فقد كانت هناك صحف عمانية أخرى لاقت أيضا نجاحا منقطع النظير من أهمها جريدة الإصلاح صدرت 1923 والنهضة 1949 والمرشد 1945 والأمّة 1958 ، وقد كان الاهتمام بأحوال عُمان التي انقسمت إلى إمامة وسلطنة واضحا بل ورئيسيا في تلك الصحافة ، من ذلك مثلا أن جريدة النهضة التي أسسها السيد سيف بن حمود بن فيصل آل سعيد عام 1949 نشرت خبراً عن ناظر شؤون الداخلية في مسقط الذي أصدر قراراً بمنع العُمانيين المقيمين في زنجبار من دخول وطنهم الأم وطالبت الصحيفة بمحاكمة ذلك الناظر ولذا أمر السيد سعيد بن تيمور سلطان عمان آنذاك بإلغاء قرار ناظر داخليّته المجحف والمظلم
كما أن الشيخ هاشل بن راشد المسكري يكتب في جريدة الفلق عدد 29/7/1939 مقالا عن وحدة عمان يقول فيه ( إننا نستعطف عظمة السلطان سعيد لجمع شمل الأمة العمانية ، فوجود حاكم ديني في داخل القطر ضروري لكف الفتن الداخلية ولإقامة الأحكام الشرعية بين القبائل )
يقول أحمد اللمكي إنه في اليوبيل الفضي لجريدة الفلق صدرت الجريدة ب80 صحفة ، وكانت مطبعتها لا تحتمل ذلك القدر وتم الاتفاق مع جريدة ( زنزبار فويس ) على المساعدة في طبع بعض الصفحات كنوع من التعاون ، وكانت الفلق تصدر 600 نسخة ثم أصبحت تصدر 2600 نسخة مع نهاية عام 1953 وقبل الظهر تكون كل النسخ قد نفدت لدرجة أن بعض عمال المطبعة كانوا يخفون نسخا ويبيعونها لحسابهم الخاص .!
” 3 ”
لقد تبنت الصحافة العمانية المهاجرة قضايا هامة تخص العمانيين ومنها المحافظة على الهوية العمانية المهددة وذلك بوجود قوى الإستعمار الإنجليزي خاصة بعد أن عمل الإنجليز على إزاحة السلطان علي بن حمود لتوجهاته العروبية والإسلامية وهو الذي أسس المدارس النظامية وكانت المناهج في عهده عربية خالصة ، ونجد مثلا الشيخ هاشل المسكري ينتقد في جريدة الفلق عدد 26/2/1938 موقف الحكومة نقدا لاذعا إذ يقارن بين موقفها في تهميش اللغة العربية وموقف الحكومات الأخرى كالإيطالية والبريطانية في وضع اللغة العربية في برامجها الإذاعية لاستقطاب قلوب من ينطقون بهذه اللغة
ويرصد د. محسن الكندي في كتابه عن الصحافة العمانية المهاجرة وشخصياتها مقالا آخر جريئا نشر في جريدة الفلق عدد 11/7/1956 للكاتب سالم بن حميد الرحبي الذي كتب يقول ( …. فإني أناديكم بملء فمي – يا بني العروبة – أن تعلموا أبناءكم لغة آبائهم ، لغة دينهم ورسولهم ، لغة قومهم ، وأن لا تجعلوا أبناءكم في زوايا الغفلة والإهمال ، لا يعرفون القبيل من الدبير ولا الظاهر من الضمير فأنقذوهم من مخالب الجهل وخذوا بأيديهم من الحضيض الأدنى إلى الذروة العليا ، إلى العلم والعمل والسعي إلى ما يتطلبه منهم الواجب الإسلامي نحو الاهتمام بلغتهم العربية ….)
إن من يقرأ النموذجين السابقين يدرك تماما أهمية ذلك الكلام الذي قيل في تلك الأعوام فها هم العمانيون الآن يعانون ويدفعون ثمن الخطأ الكبير الذي وقعوا فيه إذ أنك قد تجد من هو عربي ومن بيت أصل لكنه لا يتكلم اللغة العربية وإن تكلمها فإنها مكسرة ، هذا في وقت نجد فيه أن زنجبار كانت منارة للعلم والثقافة والحضارة وكانت السلطنة العربية هناك أول من أسس مطبعة عام 1879 سميت بالمطبعة السلطانية والتي أنشأها السلطان برغش بن سعيد بن سلطان بمساهمة من التجار العمانيين والأعيان في زنجبار ، وقد طبعت المطبعة السلطانية قدرا كبيرا من المؤلفات العمانية منها هيمان الزاد وقاموس الشريعة وإزالة الاعتراض وحاشية الترتيب ومختصر الخصال وجامع البسيوي ومنظومة مدارج الكمال وديوان أبي مسلم البهلاني وغيرها من الكتب والمخطوطات
هذا وبجانب طباعة المخطوطات فقد اضطلعت المطبعة السلطانية كما يقول ناصر الريامي في كتابه ( زنجبار – شخصيات وأحداث ) اضطلعت بنشر الثقافة العربية والقيام بالدور التنويري الذي كان المجتمع العماني العربي في أمس الحاجة إليهما على أرض تلك السلطنة
” 4 ”
إن الوجود العماني في الشرق الأفريقي يكتنفه الغموض لدى الكثيرين وقد آن الأوان أن يبدأ العمانيون أنفسهم في إخراج ذلك إلى النور فهناك من يستعد لسرقة ذلك التاريخ ، لأن هناك من يتعامل مع ذلك التاريخ كأنه عار أو سبة في الجبين بينما هو قبس منير من قبسات التاريخ العماني وقبس منير لشخصيات إنسانية فريدة في المجتمع الإنساني ، ولعل هذا من المهام التي يجب أن تضطلع بها جريدة الفلق الألكترونية
منشور بتاريخ 29 يناير 2010 في مجلة الفلق الإلكترونية قسم العدد الأول, سياسة, مقالات مختارة على الوصلة
No comments:
Post a Comment