زاهر بن حارث المحروقي
كاتب عماني
1 “
في ال28 من شهر سبتمبر الماضي مرت 40 عاما ثقيلة على رحيل الزعيم جمال عبد الناصر ، الذي رحلت برحيله آمال وطموحات الشعوب العربية وشعوب
العالم الثالث عامة في حياة حرة وشريفة وكريمة ، وبرحيله المفاجيء ذلك تراجعت مصر – ومعها الأمة العربية – إلى الوراء ولم يعد لها ذكر أو مكانة ولم يعد يحسب لها أحد حسابا ، وظلت تعيش على هامش التاريخ ينهشها الكل من كل حدب وصوب ، وأصبحت مصر التي كانت تقود الأمة العربية والإسلامية أصبحت تنفذ المخططات الصهيونية في حصار وتجويع وقتل الفلسطينيين مما جعلها مجرد تابع ، بعد أن كانت تقود النضال ضد الإمبريالية العالمية وضد الاستعمار بكل أشكاله القديمة والجديدة وذلك اتباعا لنهج ثورة ال23 من يوليو القائم على مبدأ العزة والكرامة والكبرياء الوطني
بعد 40 عاما ثقيلة من رحيل الزعيم جمال عبد الناصر أين تقف مصر الآن؟ وما هو وزن الأمة العربية وثقلها في العالم ؟!
” 2 “
في عام 1991 عقد مؤتمر مدريد للسلام وكان من أبرز الحضور الرئيس الأمريكي جورج بوش الأب والرئيس السوفييتي ميخائيل جورباتشوف ، وقد حدثت عند افتتاح المؤتمر واقعة بسيطة ولكن مغزاها كان كبيرا جدا ، إذ أن الملك خوان كارلوس كان يستقبل الضيوف هو والملكة صوفيا فإذا بالرئيس جورج بوش الأب يصل مع زوجته فانشغل به الملك خوان كارلوس أيما انشغال وفي خضم ذلك الاهتمام المبالغ فيه بالرئيس الأمريكي وصل الرئيس ميخائيل جورباتشوف وزوجته لكن العاهل الأسباني كان منشغلا عنه وكأن ليس له وجود أبدا حتى تداركت المراسم الأمر، وحينها اعتذر ملك أسبانيا للرئيس السوفييتي بعد تأخير دام أكثر من 20 دقيقة وهي مدة تكفي لإهانة رئيس دولة كانت عظمى حينها ، لكن تفاصيل الواقعة تشير إلى أن الاتحاد السوفييتي لم يكن يشكل أي ثقل في موازين السياسة الدولية حينها ، وبالفعل فلم نلبث إلا قليلا حتى سمعنا بتفكك الاتحاد السوفييتي وتحول إلى عدة جمهوريات
لقد كان الملك خوان كارلوس يعلم تماما بحنكته السياسية وربما بحسه أن العالم لم يبق فيه إلا قطب واحد هو أمريكا
إن قصة خوان كارلوس مع الرئيس الأمريكي جورج بوش الأب والرئيس ميخائيل جورباتشوف قد تكون بعيدة عن واقع مقالي هذا ولكن ما حدث في جريدة الأهرام المصرية من فضيحة تزوير صورة الرئيس حسني مبارك يدل دلالة واضحة على واقع مكانة مصر في العالم الآن ، حيث نشرت الصحيفة صورة تظهر الرئيس مبارك وهو يقود الرئيس الأميركي باراك أوباما، والعاهل الأردني عبد الله الثاني، ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على السجاد الأحمر، في حين كانت الصورة الأصلية التي نشرت في وسائل الإعلام العالمية تظهر الرئيس مبارك خلف الرئيس أوباما بل خلف الجميع ، مما جعل ذلك الرئيس مبارك ومصر كلها مسخرة للعالم أجمع إذ أن الزعامة لا تكتسب بالتزوير أو الكذب أو التدليس ، وهي الصفات التي أضحت الآن السمة البارزة في مصر وفي الوطن العربي في كل مجال من مجالات الحياة
قد أثار موقف صحيفة الأهرام موجة تعليقات مطولة في العالم كله ركزت معظمها على غياب الدور المصري في القضايا العربية والدولية مما أفسح المجال لإسرائيل أن تفرض شروطها كما تريد وتقتل الفلسطينيين كيفما تشاء ومتى تشاء وتحرشت بالمقاومة العربية في لبنان ، كما أن غياب الدور المصري أفسح المجال لأمريكا أن تحتل الوطن العربي وتعيث فسادا في العراق والسودان وفي كل مكان، وأصبحت العروبة لعنة حتى رأينا دولة عربية قيادية ومحورية يترأسها رئيس غير عربي وهو من الأقلية التي لا تصل إلى 5% من مجموع السكان ، ورأينا وزير خارجيته في مؤتمر القمة العربي يقرأ برنامج المؤتمر بالمقلوب والبرنامج مطبوع باللغة العربية ، ( وليس المشكلة أن يترأس دولة عربية رئيس غير عربي طالما أنه مواطن صالح ، ولكن المشكلة أن يعمل هذا الرئيس على انفصال جزء من الوطن لصالح قوميته وأن يقيم علاقات مع عدو العرب الأساسي إسرائيل ، وفوق ذلك إنه لم يأت إلا على ظهر القاذفات الأمريكية ) ، كل ذلك لأن مصر جالسة الآن على دكة الاحتياط حسب تعبير د. علاء الأسواني
إن لجوء جريدة الأهرام المصرية – وهي صحفية حكومة رسمية – إلى تزوير مثل ذلك يظهر بجلاء أن مصر بما في ذلك الحكومة ، تعرف تماما أن دورها قد انتهى – على الأقل في هذه المرحلة – ولم تجد ما تحسن به صورتها إلا أن تلجأ إلى التزوير ، وهو التزوير الذي يرافقها في كل شيء الآن ، ولا يجب أبدا أن يتم التعامل مع الشعب المصري أو الشعوب العربية كأنهم أغبياء ، فالزمن الذي كان الإعلام الحكومي في أي مكان يتولى الكذب والخداع والتدليس قد ولىّ إلى غير رجعة ولا عودة ! ولكن هل يمكن الآن للشعب العربي أن يثق بوسائل إعلامه الرسمية أو حتى الشعبية وقد أصبح المجال والفضاء مفتوحين للجميع ؟!
يتساءل عبد الباري عطوان رئيس تحرير صحيفة القدس العربي اللندنية – وهو محق في تساؤله – ما هي مشاعر المسؤولين المصريين الكبار الذين استأجروا خدمات شركات علاقات عامة غربية كبرى واستعانوا بخبراء إعلاميين في محطات تلفزة بريطانية من أجل تحسين صورة النظام في الخارج ورصدوا عشرات الملايين من الدولارات في هذا الصدد ، كيف ستكون مشاعرهم وهم يرون الصور المزورة هذه تنشر في مختلف صحف العالم الكبرى وقبل أسابيع معدودة من إجراء الانتخابات البرلمانية التي تؤكد صحف النظام المصري نقلا عن مسؤولين أنها ستكون الأكثر نزاهة وشفافية في تاريخ الانتخابات المصرية ؟!
لقد ركز عبد الباري عطوان كثيرا في مقاله تعليقا على هذا التزوير على دور وسائل الإعلام العربي وما حققه الإعلاميون العرب الآن من نجاح حتى في المحطات الغربية وكيف أن فضيحة كهذه ستهز من مصداقيتهم وهم يحاولون أن يقدموا للعالم واقع الأمة العربية ، ويرى أن هذه الفضيحة الإعلامية ليست شأنا داخليا حتى نتجنب الخوض فيها فالأضرار الخطيرة المترتبة عليها لا تمس الصحافة المصرية وسمعتها ومصداقيتها، وإنما سمعة الصحافة العربية ومصداقيتها والعاملين فيها أيضا إذ أنها أعادتنا إلى المربع الأول مجددا ووضعتنا جميعا، أو معظمنا على الأقل في موضع الاتهام والدفاع عن النفس بالتالي ، ولكنه بالمقابل تحسر أيضا على غياب الدور المصري من الساحة إذ أن قيادة مصر ورئيسها للمنطقة وللزعماء الآخرين لا تتم بالتزوير وفبركة الصور، وإنما من خلال نهضة سياسية واقتصادية حقيقية وسياسات إقليمية فاعلة وشجاعة، وهي أمور بديهية لا نرى أي أثر لها في مصر حاليا ، فالكذب والتزوير وفبركة الصور لن تعيد لمصر ريادتها ولا مكانتها القيادية في المنطقة والعالم بل جرها وبسرعة أكبر إلى المزيد من التدهور على الصعد كافة
“3″
إن مصر تمر الآن بفترة مرض عضال ولا أستطيع أن أقول أبدا إنها تحتضر ، فإن قدر مصر هو أن تقود وتقوم بدور تاريخي بحكم التاريخ والجغرافيا والحضارة ، وإنما امتدت فترة المرض طويلا لأن النظام الحالي وما سبقه جثما على الشعب المصري الذي أثبت دائما أنه وقف ضد المحتل ووقف ضد الطغيان
ولقد اختلف معي البعض عندما كنت أكتب في جريدة الشبيبة العمانية وقلت إذا كانت مصر بخير فإن العرب بخير وإذا كان العرب بخير فإن المسلمين بخير والعكس كذلك صحيح ، ولكني أؤمن بهذه المقولة وسأظل أرددها دائما لأنها تمثل الواقع ، ثم إن هناك من اختلف معي كثيرا حول الزعيم الراحل جمال عبد الناصر باعتباره شخصية مثيرة للجدل ، فلقد كان للزعيم الراحل صورة جماهيرية طبيعية وغير مصطنعة نفذت إلى قلوب الجماهير العربية ووجدانها ، وهو ما يفسره الأستاذ سامي شرف سكرتير الرئيس جمال عبد الناصر ووزير شؤون الرئاسة بأن تلك الصورة الطبيعية والجماهيرية للرجل لم تكن نتيجة جهود خبراء ، ولا كانت حصيلة دراسات أو أبحاث إنما كانت نابعة من ارتباطه بتراب هذا الوطن الذي جسده في شخصه
إن الجماهير العربية والمصرية على قدر كبير من الوعي وهي تعي تماما ما كان يمثله الزعيم الراحل جمال عبد الناصر وليس أدل على ذلك من الصور التي نشاهدها عبر شاشات الفضائيات في أي مسيرة ومظاهرة تنطلق في الوطن العربي إذ أننا نشاهد أجيالا جديدة وصغيرة تحمل صور الزعيم بما كان يمثله من آمال وتطلعات الشعوب العربية في العزة والكرامة
ولقد حدث نقاش بين شخصين بوجودي أولهم مصري يصب جام غضبه على الرئيس عبد الناصر والثاني أحد المواطنين العمانيين البسيطين حيث لعن المصري الزعيم الراحل ، فقال العماني يا أخي إن كل ما تقوله عن الزعيم الراحل كذب في كذب ، ففي كل حياة عبد الناصر شاهدناه في سيارات مكشوفة يواجه الجماهير حتى بعد هزيمة 67 ولم نرى ذلك لا من السادات ولا من حسني مبارك بل ولا نرى ذلك من أي رئيس أو عاهل عربي آخر ، كما أننا رأيناه وهو يستقبل في الخرطوم استقبال الفاتحين في وقت خرج فيه من هزيمة ثقيلة ، وشاهدنا المسيرات في كل أنحاء العالم الثالث تطالبه بالبقاء في الرئاسة بعد خطاب التنحي ، فهل تريد أنه تقول لي إن كل ذلك الحب كان تمثيلا ؟! فلم يحر المصري جوابا ، وموقف كهذا له دلالاته الكثيرة والمقام لا يسمح بالتطويل أكثر ، كما أن غياب الدور المصري يحتاج إلى مقالات أخرى كثيرة
منقول من
No comments:
Post a Comment