زاهر بن حارث المحروقي
كاتب عماني
أحمد الهوان أو جمعة الشوان شخص خدم وطنه وأمته بإخلاص وتفان وعرّض روحه للخطر على مدى إحدى عشرة سنة وها هو الآن ينضم إلى قافلة المهمَلين ، في رسالة موجهة ربما بقصد أو بغير قصد إلى الشعب العربي بأن مصير المخلصين أو المعادين للكيان الصهيوني سيكون مثل مصير هذا الشخص
وجمعة الشوان وكل ما يعانيه ويقاسيه من فقر ومرض وعوز فهو يمثل صورة عن المخلصين في الوطن العربي وقد تكون قصة المجاهدة جميلة بو حيرد خير دليل على ذلك ، وكذلك قصة د. عبد الوهاب المسيري رحمه الله الذي تفرغ في حياته للاهتمام بإسرائيل والصهيونية وألف في ذلك العديد من المؤلفات والموسوعات وكانت وفاته مأساوية إذ أن شخصا بمثل حجم د. المسيري لم يجد ما يعالج به نفسه فيما نرى أن خيرات الوطن تذهب لشلة فاسدة ، والكلام عام في الوطن العربي كله وليس في مصر وحدها ، ود. مصطفى محمود صاحب الأيادي البيضاء دليل آخر على الإهمال الذي يلاقيه المخلصون والمثقفون في الوطن العربي
لقد أصيب جمعة الشوان بمرض القلب واحتاجت حالته إلى عملية لتركيب دعامتين، فذهب إلى مستشفيات خاصة بالقاهرة عُرف عنها الكفاءة في هذه العمليات، إلا أنه لضيق اليد لم يستطع أن يدفع المبالغ المطلوبة فقد كانت أكبر من طاقته بكثير، حيث دفع مقابل الفحوصات فقط 87 ألف جنيه مما يعني أن تكاليف العملية كانت أكبر من ذلك بكثير، وهنا فكر الشوان في قائده المباشر في العملية التي نفذها في قلب إسرائيل وانتهت بانتزاع أحدث أجهزة التنصت من الموساد، وهذا القائد هو الذي حمل الرمز السري ( الريس زكريا ) في المسلسل الشهير رأفت الهجان، وهو اللواء محمد عبد السلام المحجوب وزير التنمية المحلية الآن ، وقد اتصل به الشوان وحكى له مأساة مرضه والمبالغ المطلوبة لعلاجه ، وتفاجأ الشوان أن ( الرئيس زكريا ) أرسل أحد موظفي مكتبه إليه بالمستشفى ليسمع منه قصة مرضه ثم ذهب دون أن يفعل شيئا إلا الاستماع وقد يكون ترك له مظروفا فيه مبالغ لا تكفي لحبة دواء
لم يكن أمام الشوان إلا أن يخرج من المستشفى الخاص إلى مستشفى آخر ثم ثالث وكلها مستشفيات تطلب أرقاما خيالية تزيد القلب الموجوع وجعا على وجع، فقرر أولاده اللجوء إلى عيادات مسجد د.مصطفى محمود الخيرية، و- هو الدكتور الذي عانى من الإهمال ما عاناه حيا وميتا بعد أن ملأ الدنيا بعلمه وكتبه ومقالاته لأنه كان ينتقد الصهيونية ويبشر بزوال إسرائيل – وقد أجريت العملية في المستشفى الخيري بمبلغ (42 ألف جنيه) استلفها أبناء الشوان، وخرج الشوان معافى لكن في القلب غصة من مصر الرسمية التي وهبها حياته وحبه وشبابه فجازته بالفقر والإهمال
” 2 ”
لقد لخص جمعة الشوان مأساته في حوار مع الموقع الالكتروني لصحيفة الدستور حيث قال : ( أنا بلوم الموساد الإسرائيلي لأنه سابني لغاية دلوقت من غير ما يصفيني لأني خنتهم وحصلت لمصر على أغلى أجهزة تجسس ورفضت أبيع بلدي ..كنت عايزهم يقتلوني ويريحوني بدال ما أنا قاعد استلف من الناس وأبيع شقتي عشان أسدد ديوني وأجيب علاج , وأضاف قدمت الكثير لمصر وتوجت سنوات عملي التي وضعت كفني علي كفي في كل لحظة فيها بالحصول على أغلى جهازي إرسال في العالم في ذلك الوقت ساعدا مصر كثيرا في التحضير لمعركة أكتوبر والنتيجة ؟! الجوع كافر) وأشار الشوان إلى أنه يريد أن يبعث برسالة إلى الرئيس حسني مبارك، موضحا أن أقصى ما يتمناه أنه ما يتبهدل أكثر من كذا !
ويواصل الشوان حكاية معاناته – ولا بأس من أن نطوّل فيها لأن فيها العبر، فيقول : ( هذه ليست المرة الأولي التي تتنكر له مصر وتتركه في لحظات احتياجه فقد سبق أن قدم أوراق أبنائه للوزير المحجوب بناء على طلبه بعد تخرجهم لتوظيفهم ولم يحدث ، هذا إضافة على أنه ليس له معاش ينفق منه حتى الآن رغم بلوغه الثانية والسبعين وسبق أن وعدوه بإنهاء إجراءات معاشه في يومين على الأكثر)
قال الشوان إنه اشتكي مرارا لجميع مؤسسات وهيئات الدولة الرئاسية والسيادية والحكومية ليحصل على أبسط حقوقه كمواطن عادي وليس كبطل قدم لمصر أعمالا جليلة ولم يهتم به أحد
وفي كلام له مغزاه يلوم الشوان الموساد لعدم اغتياله وتصفيته رغم أن أي عميل تخابر مع أي جهاز مخابراتي في العالم يوضع علي قوائم الاستهداف مبررا رغبته في أن يغتاله الموساد قائلا: ( عدم اغتيالهم لي يوجه رسالة للشباب المصري مفادها أن هذا الذي خدعنا فهو لا يجد ما يأكله الآن ولا ما يتعالج به وسيمشي حافي القدمين قريبا بعد أن باع شقته ليسدد ديونه !) أي أن الاغتيال المعنوي كان أشد من التصفية الجسدية ، ورغم ذلك تحدث الشوان للشباب محفزا لهم على عدم فقدان الأمل رغم ما يحدث قائلا: رغم أن الجوع كافر إلا أن خيانة الوطن أقذر وأشد كفرا من الجوع
” 3 ”
إن قضية أحمد الهوان أو جمعة الشوان تطرح العديد من التساؤلات ليس في مصر وحدها بل في الوطن العربي كله ، ويجب على القراء المصريين الذين يقرؤون مقالي هذا أن لا يعتبروها ضدهم – مثلما حصل مع بعض التعليقات في موضوعي السابق بعنوان ( دولة على دكة الاحتياط ) ، لأن القضية قضية عامة في الوطن العربي كله ، ومن ثم فإن علاج الشوان قضية عربية إذا كنا ما زلنا نؤمن بأننا وطن واحد كما نشأ جيلنا
صحيح أن الحكومة المصرية انتبهت للموضوع ولو أنه بعد فوات الأوان وأن الشعب المصري انبرى لعلاج وإسكان الشوان وتبرع الناس بنفقات العلاج وشراء شقة له – وهو ما حصل تماما مع جميلة بو حيرد – إلا أنه يجب أن نقول هل كان الأمر يحتاج إلى أن يصل إلى ما وصل إليه ويريق البطل ماء وجهه مستجديا حتى تتحمل وزارة الدفاع المصرية علاجه ؟!
إن نداء جمعة الشوان أعاد إلى الأذهان نداء جميلة بو حيرد التي جاهدت ضد فرنسا ثم أصبح مصيرها الجوع والمرض مما يظهر حقيقة جلية سبق لي وأن أشرت إليها في مقال سابق بعنوان ( مجاهدة هزمها الجوع والمرض ) وهي أن الأمة الآن تعيش وضعا مقلوبا حيث اختلط فيه الحابل بالنابل وفي ذهني ما أصاب الفدائيين الفلسطينيين الذين كانوا رمزا للنضال والكفاح العربي ضد الصهيونية والذين ضحوا بأرواحهم في سبيل الأمة كلها وليس في سبيل القضية الفلسطينية فقط ، فهم الآن يعيشون أوضاعا سيئة للغاية ولا يجيدون قوت يومهم ولا يجدون الدواء بل ولا يجدون أبسط حقوق الإنسان كالمتطلبات اليومية بعد أن تشتتوا منذ عام 1982 بعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان والقضاء الفعلي على منظمة التحرير الفلسطينية وهم يدفعون الآن ثمن مبادئهم ونضالهم وكفاحهم بعد أن أصبحت إسرائيل هي الصديق وبعد أن أصبح الفلسطينيون أعداء بعضهم البعض وبعد أن تغيرت المفاهيم لدى الناس وأصبحت الدول العربية تتسابق إلى طلب رضا إسرائيل ، وتتسابق مع أمريكا لتدمير بعضها البعض كما حصل للعراق
إن في العالم العربي نماذج كثيرة تظهر أن كثيرا من المجاهدين الحقيقيين والمخلصين للأوطان والذين خدموا وأعطوا بإخلاص عاشوا على هامش الحياة مجهولين وفقراء بينما حصل أناس أو فئات على أعلى الامتيازات مقابل التملق والولاء المزيف مقابل النفوذ الذي يتمتعون به ، ثم إذا هم أول من يخون البلد إذا تلاشت مصلحتهم فيها
ولنا أن نسأل كم من جمعة وجميلة في الوطن العربي هُضم حقهم ؟ وكم من مخلص ومبدع مات حسرة ؟ ثم كم من أناس أو فئة استغلوا خزائن الأوطان بالباطل وأكلوا حقوق وأموال الشعوب بغير حق وهم لم يقدموا شيئا للوطن؟
إن الصورة التي تكاد تكون متشابهة في الوطن العربي هي تداخل المصالح بين رجال الأعمال ورجال السياسة واختلط الأمر بينهم حتى أصبح رجال المال يديرون الدول وأصبح السياسيون تابعين لهم وفي النهاية صارت الأوطان مجرد مزارع كبيرة تملكها فئة صغيرة وتداخلت المصالح بشكل كبير وبالتالي أصبح المواطنون هم الضحايا واختفى شيء اسمه الأخلاق والمبادئ وأصبح كل شيء قابلا للبيع من الأوطان إلى الضمائر
من المصادفات أن تأتي قضية جمعة الشوان في وقت اكتشفت فيه مصر شبكة تجسس جديدة ضدها لصالح إسرائيل مما يعني أن ناقوس الخطر قد دق وعلى جهات الاختصاص – لا في مصر وحدها – بل في الوطن العربي دراسة الموضوع بكافة جوانبه، إذ ما هو الذي يدعو الشباب العربي إلى التعامل والتخابر مع العدو ، فكم من شبكة لم يتم اكتشافها حتى الآن على طول الوطن العربي وعرضه؟ وكم من مواهب في المجالات كافة مهملة ومركونة عليها أن تؤدي الساعات المقررة في الدوام يوميا؟ وكم من الشباب مستعد للتضحية بالوطن؟ يجب البحث عن أسباب اليأس والإحباط وأسباب قتل الحب والولاء والانتماء للوطن قبل البحث عن أسباب العقاب حتى لا تستفحل مسألة الخيانة وترقى إلى مستوى الظاهرة
ثم إن الرسالة الواضحة التي تبعثها مواقف الحكومات العربية من أبنائها المخلصين هي: كونوا خونة ولا تفكروا في شيء اسمه الوطن أو الوطنية وإلا سيكون مصيركم مثل مصير كل المخلصين
إنه زمن الهوان .. يا أحمد الهوّان
منشور31 يناير 2011 في
No comments:
Post a Comment