زاهر بن حارث المحروقي
كاتب عماني
” 1 “
لقد أثبتت الأزمة الأخيرة في السلطنة بالفعل أن جلالة السلطان المعظم حفظه الله ورعاه يتمتع بالحكمة التي طالما تحدث عنها الكثيرون ممن تعاملوا معه مباشرة وذلك بعد أن أدار الشأن العماني بحكمة واقتدار واستجاب لمطالب شعبه بسرعة فائقة من موقف قوة لا من موقف ضعف مما جنب البلاد والعباد فتنة كبيرة ومصيرا صعبا وكذلك بإعطاء تعليماته المشددة بأن لا يتم التعامل مع المعتصمين بالقوة والسماح لهم بإبداء رأيهم بكل أريحية إضافة إلى رحابة صدره مع مطالب الشعب التي أصبحت تزداد يوما بعد يوم
ويستطيع أي إنسان أن يقارن بين ما حصل في السلطنة وما يحصل الآن في أرجاء الوطن العربي وكيف تعاملت الأنظمة العربية مع المحتجين من شعوبها وبين ما حصل في السلطنة ، فلله الحمد والمنة أن عمان لم تلجأ إلى القوة لقمع المعتصمين المطالبين بالإصلاحات كما حدث في تونس ومصر وليبيا واليمن والبحرين، بل سارع جلالة السلطان إلى تلبية المطالب بسرعة لم يتوقعها المعتصمون أنفسهم.
ولنا مثل آخر حيث نادى الشباب السعودي إلى جعل يوم الجمعة 11/3/2011 جمعة غضب في السعودية فماذا حدث ؟ لقد استغلت الحكومة السعودية الدين كغطاء وأصدر سماحة مفتي السعودية فتوى تحرم التظاهر وأن هناك طرقا شرعية لإيصال المطالب إلى ولاة الأمر، ثم أصدرت الحكومة السعودية بيانا شديد اللهجة حذرت فيه كل من يدعو أو يشارك أو يؤيد التظاهر مما أدى إلى وأد التظاهر في مهده ، والأمانة التاريخية تجعلنا نقول إننا في عمان لم نشهد سقوط 49 قتلى في ليلة واحدة ولا شاهدنا الطائرات والدبابات تقصف المواطنين ولا شاهدنا استنجاد السلطنة بجيش من الخارج لفرض النظام ، ومن هنا فلا يحق لقناة العربية أن تقول في موقعها الالكتروني إن رغم تنازلات السلطان قابوس إلا أن الشعب العماني غير راض فهذا الكلام يفتقر إلى الموضوعية ويفتقر إلى المنطق أيضا.
” 2 “
لا يخفى لأحد ما حققته الاعتصامات في السلطنة من فوائد يكفي أنها أوصلت صوت الشعب العماني إلى قائده مباشرة دون واسطة – وهو الصوت الذي يبدو أنه كان لا يصل وإذا وصل فهو يصل مشوها لأن هناك من لا يريد أن يصل صوت الشعب إلى قائده – ، ولقد ساعدت هذه الاعتصامات في كشف الكثير من الحقائق وعضدت من موقف جلالته ووفرت له غطاء شعبيا لكل القرارات التي اتخذها ولكل حزم الإصلاحات التي تمت حتى الآن، وأصبح المواطن العماني شريكا فعليا في الحكم من خلال نقد الأخطاء والدعوة إلى الإصلاح ، ولقد كان جلالته على مستوى الحدث وتعامل مع شعبه ذلك التعامل الرفيع وبرحابة صدر أبوية قلما نجدها في الآخرين في هذا الزمن مما أثبت أن الرجل ليس ذا طابع عدواني وأن مصلحة شعبه مقدمة على كل شيء ، ويكفي للدلالة على ذلك أن البعض كان يتحدث همسا في المجالس الخاصة أن من الصعب على جلالته أن يتخذ قرارا بإبعاد بعض مراكز القوى وإذا بالكل يتفاجأ بالزلزال القابوسي في كل المجالات مما اعتُبر ثورة قابوس الثانية.
إن الذي تحقق حتى الآن شيء كبير وتم تلبية معظم مطالب الشعب الأساسية ولم يبق إلا اليسير، فلا بد أيضا من إعطاء الفرصة للحكومة حتى تدرس بقية المطالب التي لم تتحقق حتى الآن وآن للاعتصامات أن تتوقف خدمة للصالح العام ، كما يجب علينا أن نفوّت الفرصة لمن بدأ يصطاد في المياه العكرة من أجل تشويه سمعة الوطن في الخارج وتشويه سمعة المعتصمين أنفسهم.
إننا نعيش الآن في السلطنة فترة التحول، وغالبا أن فترة كهذه يختلط فيها الحابل بالنابل وتتم فيها تصفية الحسابات وتكثر فيها المطالب ويريد كل أحد أن يقيس الوطن على مقاسه وعلى رغباته ، ولا يرى الإنسان الإيجابيات إلا ما يتوافق مع هواه ، وهذا أصبح الآن مشاهدا في منتديات الحوار وفي المواقع الألكترونية.
ومن هنا يجب القول إن الدولة يجب أن يكون لها هيبتها ومكانتها وإلا ستكون هناك فوضى وسيعم البلاء ، فليس معنى أن يكون جلالة السلطان رحيما ويصدر أوامره المشددة بعدم التعرض للمعتصمين بأن تتجرأ فئة من الناس وتدوس على القانون لتحقيق مآرب بعيدة عن الحضارة والإنسانية كما حصل في حصن الفليج ببركاء ومثلما حصل في ولايتي صحار وعبري من تدمير للممتلكات العامة والخاصة ، وقد أكد مكتب سماحة مفتي عام السلطنة أن الاعتصامات التي تفضي إلى تعطيل مصالح المجتمع أو تؤثر على المرافق الحيوية فيه أو تقوض أمنه فهذه يجب شرعا تركها مع بقاء حق المطالبة بالحقوق مشروعا في إطار حفظ النظام.
هناك بعض الأصوات تتحدث الآن عن تشكيل مجلس الوزراء الحالي وتبدي بعض الآراء حول بعض الأسماء ، هذا حق لكل أحد أن يبدي رأيه ولكن هل يمكن أن يؤخذ رأي كل واحد عن وزيره مثلا ؟ في هذه الحالة لا يمكن أبدا تشكيل أي حكومة في أي مكان في العالم.
إننا الآن يجب أن نركز على تغيير السياسات بعد أن تغيرت الوجوه ، فلا معنى أبدا أن يتم تغيير الأسماء مع بقاء السياسات نفسها ، ويجب على الإعلام أن يقوم بدوره تماما في نقد الاخطاء وفي دوره في بناء الإنسان العماني تمشيا مع متطلبات العصر الحديث
” 3 “
وإذا كانت الاعتصامات قد حققت نتائج إيجابية وآن لها أن تتوقف لإعطاء الحكومة الفرصة فإن على أصحاب الفكر والثقافة من المعتصمين أن يفكروا في إيجاد آلية آخرى يتعاملون بها مع الحكومة كإيجاد منتدى مدني مثلا أو تشكيل لجنة منهم للتواصل مع الحكومة حتى يتحقق الصالح العام للجميع.
لقد لبى جلالة السلطان المعظم رغبة شعبه في خطوات سريعة وعاجلة وملموسة وهي خطوات يجب أن نشكره عليها ويجب أن نرفق به فهو قبل أن يكون حاكما وسلطانا فهو إنسان وقد تعامل مع الموقف بإنسانية رائعة وجنب البلد مشاكل كبيرة نراها رأي العين في كل مكان حولنا.
والتغيير مبدأ يؤمن به جلالته إلا أنه يؤمن بالتغيير البطيء كما قال لي ذلك د. علي الدين هلال أستاذ العلوم السياسية الشهير في جلسة معه بقصر البستان بحضور الزميل المخرج سليمان الغافري حيث قال لي بعد لقائه بجلالته في بهجة الانظار بصحار : إنني وجدت جلالته صاحب فكر مستنير ويملك رؤية مستقبلية كبيرة لعمان وينوي أن يفعل الكثير ، إلا أنه يؤمن بالتغيير البطيء لأن التغيير السريع أو العنيف أدى إلى إراقة الدماء في بعض الأماكن في العالم – حسب رأي جلالته – ، وقال د . علي الدين هلال أردت أن أقول لجلالته إن عمر الإنسان قصير ورؤية مستقبلية كهذه تتطلب وقتا فمتى ستنفذها ؟ ولكني لم اتجرأ أن أساله ذلك.
إن ما حدث كان خيرا لعمان ولشعبها ، فقد جاءت الفرصة لجلالته أن ينفذ بعض ما يريد ، ورفقا به رفقا إذ مرت عليه كإنسان أزمتان متقاربتان الأولى هي شبكة التجسس من أناس أولاهم الثقة ، والثانية هي الأزمة التي مرت بها السلطنة ويجب أن يتكاتف الكل القيادة والشعب في جعل عمان مستقرة كما هي دائما.
منقولة من
No comments:
Post a Comment