تحت شعار الموارد البشرية عنصر مهم للهيدروغرافيا المكتب الهيدروغرافي الوطني العماني يحتفل بيوم الهيدروغرافيا العالمي

إعداد المكتب الهيدروغرافي الوطني العماني

بهدف رفع الوعي بالدور الحيوي تشارك البحرية السلطانية العمانية ممثلة بالمكتب الهيدروغرافي الوطني العماني في احتفال منظمة الهيدروغرافيا الدولية باليوم الهيدروغرافي العالمي الذي يوافق الحادي والعشرين من يونيو من كل عام حيث يصادف هذا العام الذكرى التسعين لتأسيس منظمة الهيدروغرافيا الدولية.

وتعد هذه المناسبة مهمة لرفع الوعي العام بالدور الحيوي الذي تقوم به الهيدروغرافيا في المجتمع، وفي الإطار العماني تتميز السلطنة بموقعها الاستراتيجي وبالشريط الساحلي ذي البيئات المتنوعة والخلابة، الذي يمتد من رأس مسندم شمالاً إلى رأس ضربة علي جنوباً في محافظة ظفار، الذي يبلغ طوله 3165 كيلومتراً شاملاً سواحل الجزر والخلجان، وتصل المساحة البحرية للسلطنة تقريباً ضعف مساحتها من اليابسة، وتقدر مساحة المنطقة الاقتصادية الخالصة للسلطنة بحوالي 549266 كيلومتراً مربعاً تقريباً. ومما يزيد من الأهمية الاستراتيجية للسلطنة إطلالها على مضيق هرمز، وهو المضيق الحيوي الذي تمر فيه نسبة كبيرة من سفن العالم بشكل منتظم، وإيماناً من السلطنة بأهمية الانضمام إلى منظمة الهيدروغرافيا الدولية لاعتبارات كثيرة، فقد تم ذلك في أكتوبر من عام 1992م. وصادقت السلطنة أيضاً على اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار (UNCLOS) في عام 1983 ومعاهدة سلامة الأرواح في البحر (SOLAS) في عام 1998م وتلتها عضويتها في المنظمة البحرية الدولية (IMO).

إن الخلجان الخطرة والأعماق الضحلة وعوائق الملاحة البحرية الأخرى لها الدور البارز في تهديد سلامة الملاحة والتجارة البحرية، لقد كان إبحار أول سفينة لهذه المناطق قد تسبب فيما لا يحمد عقباه، لذلك فهناك الكثير مما يجب القيام به بشكل واضح ومرتبط ارتباطاً كليا بعلم الهيدروغرافيا، ويتمثل ذلك في البيانات الهيدروغرافية التي تم جمعها عن طريق أشخاص غير متخصصين في هذا المجال، وأيضاً يجب تنبيه المستخدمين للمناطق والمسارات البحرية التي لا توجد لها بيانات موثوقة ومعتمدة من قبل الجهات المختصة في الوقت الحالي وهي بالطبع كثيرة.

إن منظمة الهيدروغرافيا العالمية التي تم تأسيسها عام 1921م تعد الجهة الاستشارية والفنية للقطاعات الحكومية التي تقوم بتقديم الخدمات الهيدروغرافية المعترف بها والموثوق فيها، وتقوم بوضع مواصفات انتاج الخرائط الملاحية البحرية. وتضم منظمة الهيدروغرافيا الدولية في عضويتها معظم دول العالم والتي لديها إمكانات هيدورغرافية متاحة، كما وضعت مقاييس ومواصفات وإرشادات تتمثل في 25 بنداً بدءاً من الرموز المستخدمة في الخرائط وانتهاء بالمواصفات لجمع البيانات الهيدروغرافية وتمثيلها كبيانات ملاحية من قبل المختصين في العلوم البحرية.

تعتمد الأبحاث المتعلقة بالمحيطات والبيئات المائية كلها وبصورة كبيرة على ما يقدمه المختصون في علوم الهيدروغرافيا من بيانات دقيقة، وهناك مجالات أخرى تعتمد على هذه البيانات على سبيل المثال الملاحة واستخراج النفط والغاز والموارد المعدنية والطبيعية والتعميق لقيعان البحار ومداخل الموانئ والأعمال الساحلية وبناء الموانئ وإرساء خطوط الأنابيب والكوابل البحرية للاتصالات وفي عمليات إدارة البيئات البحرية.

إن البيانات الهيدروغرافية بعدما يتم تجميعها فإنها تحلل وتقدم على صيغ ونماذج مختلفة لإنتاج الخرائط البحرية والمنشورات الملاحية الأخرى المعتمدة وبشكل رسمي من قبل المكاتب الهيدروغرافية الوطنية الموجودة في معظم دول العالم، ويتأتى ذلك من خلال الدور الحيوي والملموس الذي يقوم به المختصون في مجال الهيدروغرافيا؛ وذلك لبناء وانتاج هذه الخرائط، الذي يشمل رسامي الخرائط المختصين في بناء قواعد البيانات الهيدروغرافيا وعلوم البحار. ويعد أغلب المختصين في الهيدروغرافيا في القطاع الحكومي عادة جزءًا من القطاع الخدمي للمكتب الهيدروغرافي الوطني الذي يقوم بتوفير الخرائط الرسمية والمنشورات الملاحية البحرية والخدمات الأخرى المتعلقة بسلامة الملاحة البحرية.

لقد بدأ الإنسان بجمع البيانات الهيدروغرافية منذ عدة قرون مضت وكانت بصورة منتظمة، حيث كانت تجمع البيانات من خلال الرحلات الساحلية باستخدام الحبل المربوط به ثقل، تحديد المواقع باستخدام البوصلة ومحدد المواقع إلى أن تطورت الأجهزة والأدوات التي يتم إنتاج الخرائط البحرية الحديثة بها حسب المواصفات والمعايير الدولية المعترف بها من قبل منظمة الهيدروغرافيا الدولية، التي تؤكد بصورة رسمية مدى دقة البيانات المستخدمة في إنتاجها التي بدورها تظهر هذه الخرائط كوثيقة دولية معترف بجودتها وسهولة استخدامها من قبل مرتادي البحار.

يستخدم المختصون في الهيدروغرافية اليوم التقنية الحديثة، التي تشتمل على أحدث الأجهزة المستخدمة لقياس الأعماق والمسبار المتعدد الأغراض وأجهزة دقيقة لتحديد المواقع، والتقنيات الحديثة المستخدمة في جمع بيانات الأعماق البحرية لها إمكانات كبيرة والتي تمكنها من جمع وإعطاء البيانات لعدة كيلومترات وذلك من خلال مجسات تقوم بتحديد المواقع لكل الأماكن سواء أكانت في السطح أم تحته، وكذلك صور ثنائية وثلاثية الأبعاد ذات جودة.

ووضوح عالٍ التي تنتج عادة من البيانات المأخوذة التي تعد ضرورية لتقييم المسوحات الهيدروغرافية لقاع البحر التي يتم استخدامها لإنتاج الخرائط الملاحية أو الأنشطة البحرية الأخرى.

إن أحدث تقنية لجمع الأعماق الهيدروغرافية تكون بطريقتين، إما باستخدام جهاز المسبار المتعدد الأغراض (Multi Beam)، الذي يغطي مساحات كبيرة على جانبي خط المسح الهيدروغرافي في البحار والمحيطات من قبل سفن المسح الهيدروغرافي وتحتاج فترة زمنية أقل إذا ما قورنت بالسابق، أو بأستخدام أشعة الليزر الملونة والاستشعار عن بعد لقياس قاع البحر.

وفي الجانب الآخر يقوم المختصون في مجال العلوم البحرية وقواعد البيانات الجغرافية وأنظمة المعلومات الجغرافية باستخدام هذه الأنظمة المتطورة جدا للتحليل ولتقديم البيانات للأعداد المتزايدة من المستخدمين وبالصورة المرضية لهم بدءًا من إنتاج الخرائط البحرية والملاحية والمنشورات التقليدية ولدراسة تركيبة الساحل أو استكشاف المعادن.

الخدمات والأدوار الوطنية

ان الخدمات الهيدروغرافية الوطنية الاساسية في السلطنة تتمثل في توفير المعلومات والبيانات البحرية لسلامة الملاحة في المياه العمانية لجميع السفن سواء التجارية أو غيرها وتؤمن عمليات النقل والتجارة البحرية وتسهم في إنقاذ الأرواح في عرض البحر، وتوفير المعلومات البحرية لدعم العمليات البحرية العسكرية للدفاع عن الدولة مثل إيجاد خرائط خاصة لعمليات ومواقع الإنزال البرمائي.

ومن ناحية أخرى قد توفر الخدمات الهيدروغرافية بيانات ذات صلة بالأرصاد الجوية وعلم المحيطات، والاتجاه الحديث في هذا المجال هو تصميم منتجات متخصصة عن طريق إدامة قواعد بيانات واسعة وطبع منتجات كارتوغرافية كالخرائط البحرية، أما الدور الثالث فيتمثل في توفير معلومات هيدروغرافية لتنمية المصالح العامة في السلطنة. وتتضمن هذه الخدمات المعلومات الهيدروغرافية المدنية التي تظل على جانب كبير من الأهمية في مسيرة تطور الدول المطلة على السواحل.

المكتب الهيدروغرافي الوطني العماني

ولتفي السلطنة بالتزاماتها الدولية إزاء توفير التغطية الشاملة من الخرائط والمنشورات البحرية التي يتطلب على السفن حملها عند عبورها المياه العمانية كان لابد لها من إنشاء مكتب يعنى بذلك وعليه جاء انشاء المكتب الهيدروغرافي الوطني الذي افتتح في شهر إبريل من عام 1995 وأوكلت إليه مهام وطنية جليلة أهمها إصدار خرائط بحرية تغطي المياه العمانية تتوفر فيها المواصفات القياسية اللازمة بالإضافة إلى مراقبة السلامة الملاحية لمرتادي المياه العمانية وأيضا حفظ المعلومات الهيدروغرافية من مسوحات وغيرها، كما يقوم المكتب بإصدار بعض المنشورات الملاحية التي تساعد البحارة على الملاحة الآمنة ككتاب عمان البحري السنوي الذي يحتوي على قائمة للأضواء الملاحية المستخدمة في المياه العمانية على طول الساحل العماني وكذلك بعض الأضواء الملاحية المستخدمة في مياه الدول المجاورة في الخليج العربي وبحر عمان نظرا لأهمية هذه الأضواء للسفن التي تمر في المياة العمانية. كما يتضمن هذا الكتاب قائمة بالإشارات اللاسلكية للمحطات التي تقدم خدمات إرشادية للسفن. ويحتوي الكتاب أيضا على قائمة بتفاصيل حطام السفن الغارقة في المياه العمانية وجداول المد والجزر في المواني الرئيسية والقواعد البحرية وموانئ الصيد في السلطنة ومواقيت شروق الشمس وغروبها وشروق القمر وغروبه في الموانئ الرئيسية.

ويوجد بالمكتب الهيدروغرافي الوطني قسم خاص معني بالمعلومات والسلامة البحرية ويقوم هذا القسم بالتعاون مع وزارة النقل والإتصالات بإصدار التعليمات والتحذيرات الملاحية لمرتادي المياة العمانية كالإعلانات، والإنذارت الملاحية، وتوصيل المعلومات إلى السفن الموجودة في عرض البحر حفاظاً على السلامة البحرية، بالإضافة إلى نشر إعلانات ملاحية شهرية يتم توزيعها على دول العالم وذلك لتصحيح وتنقيح هذه الخرائط العمانية.

كما قام المكتب أيضاً بإعداد الخرائط البحرية ذات الصلة بالمناطق البحرية والحدود البحرية للسلطنة حسب المواصفات القياسية التي نص عليها القانون الدولي للبحار، والمنظمة الهيدروغرافية الدولية، واتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982م التي صادقت السلطنة عليها إذ يستند المكتب على مواد هذه الاتفاقية فيما يتعلق بتحديد الحدود البحرية مع الدول المقابلة والملاصقة لسلطنة عمان، وكذلك تحديد المناطق البحرية المختلفة للسلطنة.

ويخدم المكتب الكثير من الهيئات والمؤسسات الحكومية وغير الحكومية وذلك بتوفير المعلومات الملاحية المطلوبة لمستخدمي المياه العمانية. وعلى سبيل المثال تستخدم شرطة عمان السلطانية ممثلة في خفر السواحل الخرائط العمانية لحراسة الساحل العماني. أيضاً يوجد الكثير من الشركات التي يتعلق عملها بالبحر تعتمد في عملها على المعلومات المقدمة من المكتب وغالباً ما تكون معلومات عن الأعماق في المياه العمانية.

وختاما فإن «يوم الهيدروغرافيا لعام 2011م» ومن خلال شعاره لهذا العام «الموارد البشرية» لهو عنوان لاستمرارية العطاء في إنجاح مسيرة الهيدروغرافيا عالمياً الذي من خلاله تسعى منظمة الهيدروغرافيا الدولية إلى رفع الوعي العام للخدمات الهيدروغرافية غير المرئية المقدمة من قبل المختصين بالهيدروغرافيا لسلامة الملاحة في البحر وحماية البيئة البحرية والأنشطة البحرية الأخرى، وتسويق دور المختصين في الهيدروغرافيا وجذب أنظار الناس للدخول في هذا المجال، والتعريف بالدور الذي تقوم به منظمة الهيدروغرافيا الدولية في تحديد المواصفات والمقاييس، وتهنئة كافة المختصين في مجال الهيدروغرافيا بالدور الريادي الذي يقومون به لدعم العمليات والأنشطة الآمنة والفعّالة في البحر.