أجرى اللقاء - سيف بن سالم الفضيلي:--
أكد بدر بن سالم العبري، باحث منتدب بوزارة الأوقاف والشؤون الدينية، بأننا اليوم أشدّ حاجة إلى تقديم الزكاة، خاصة في المدن، لسببين أولهما ضعف التعارف في المدن، وثانيهما، لأنّ المؤسسات القائمة بهذا الدور العظيم في تجميع الزكاة لها طاقات معينة، وهناك سبب ثالث، يتمثل في اختلاف مظاهر العيد، واتجاهه نحو الملبس وما شابهه، فلكي نحقق حق الله في إخراج هذه الشعيرة، ونعين المحتاج إليها، ونحقق التكامل بين أفراد المجتمع، وتعمّ الفرحة بين طبقاته؛ كان لا بدّ من التعجيل في إخراج الزكاة، ولو من منتصف الشهر المبارك.
مشيرا الى ان بعض الفقهاء أجاز إخراجها نقدا وبعضهم أجاز من غير الأصناف المذكورة في الروايات..والى ما جاء في اللقاء:
حول الفترة الزمنية لإخراج الزكاة يقول العبري، إذا جئنا إلى الفترة الزمنية، فالظاهر من الروايات أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بإخراجها قبل العيد، بداية من غروب آخر يوم من رمضان، ولذا سُميت بزكاة الفطر، وهذا الوقت في عهده - صلى الله عليه وسلم - كان كافيا لسدّ حاجة الفقير وإعانته، من هنا استحسن تأخير صلاة العيد؛ ليتسنى للناس إخراج صدقاتهم.
بيد أننا نجد أنّ هذه الفترة الزمنية مع انتشار رقعة الإسلام، واختلاف المظاهر في الأعياد، وصعوبة الاتصال كما في الحواضر الكبيرة؛ نجد هذه الفترة غير كافية لتحقيق مقصد الزكاة، لذا أجاز الفقهاء إخراجها قبل يوم أو يومين، وبعضهم أجاز إخراجها من منتصف الشهر، ومنهم من بداية الشهر، كلّ هذا من أجل تحقيق مقصد الزكاة.
وإذا جئنا إلى التطبيق المعاصر نجد أنّ تقليص وقتها من حيث الإخراج؛ يجعل الزكاة مجرد طقس يمارسه الصائم، لا تحقق جدوى في المجتمع، ونبتعد بذلك عن المقصد العظيم الذي أراده رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من تشريع هذا الحكم.
فما الذي يستفيد منه الفقير إذا أعطيناه الزكاة قبل صلاة العيد، والناس استعدوا لعيدهم قبل فترة قد لا تقل عن شهر أو شهرين؟!
ويضيف، إذا جئنا إلى التطبيق العملي من قبل الصحابة أو الفقهاء الذين جاءوا بعدهم نجدهم قد عجّلوا في دفع الزكاة، ففي رواية البخاري عن ابن عمر أنّه كان يعطيها الذين يقبلونها، وكانوا يعطون قبل الفطر بيوم أو يومين، ولم يقفوا ظاهريا أمام فعل النبي – صلى الله عليه وسلم -، مع التمسك الشديد الذي اشتهر به ابن عمر بالأخذ بظاهر فعل النبي – صلى الله عليه وسلم -، وما هذا إلا لإدراك الصحابة المقصد والحكمة من تشريع هذه الزكاة، فداروا مع المقصد وجودا وعدما.
جاء في الذهب الخالص: "وجاز تقديمها في رمضان لحاجة الفقراء، أو في نصفه الآخر أو لا أقوال"، وقال أبو المؤثر: كتبت إلى محمد بن محبوب – رحمه الله – أسأله عن إخراج زكاة الفطر قبل شهر رمضان بشهر، أو في شهر رمضان، أو بعده بشهر، فكتب إلي: أمّا من أخرجها في شهر رمضان أو بعده بشهر فقد أجزى عنه، وأمّا من أخرج قبله بشهر فلا يجزي عنه".
ويقول محمود شلتوت في الفتاوى: "ويجوز إخراجها قبل آخر رمضان بمدة يتمكن فيها الفقير من الانتفاع بها في يوم العيد، وذلك تحقيق للمعنى المقصود منها وهو إغناء الفقير عن مدّ يده في يوم العيد، أغنوهم في هذا اليوم عن السؤال".
وقال ابن قدامة في المغني: "مسألة: وإن قدّمها قبل ذلك بيوم أو يومين أجزأه...،ولا يجوز أكثر من ذلك، وقال ابن عمر: كانوا يعطونها قبل الفطر بيوم أو يومين، وقال بعض أصحابنا – أي الحنابلة -: يجوز تعجيلها بعد نصف الشهر كما يجوز تعجيل أذان الفجر، والدفع من مزدلفة بعد نصف الليل، وقال أبو حنيفة: ويجوز تعجيلها قبل الحول لأنّها زكاة، فأشبهت زكاة المال، وقال الشافعي: ويجوز من أول شهر رمضان؛ لأنّ سبب الصدقة الصوم والفطر عنه، فإذا وجد أحد السببين جاز تعجيلها كزكاة المال بعد ملك النصاب".
وممن أجاز تعجيلها الجعفرية، يقول أبو القاسم الحليّ: "ويجوز تقديمها في شهر رمضان ولو من أوله أداء".
وبهذا يتبين لنا أنّ أكثر المدارس الإسلامية خلافا لأكثر المالكية يجيزون إخراجها قبل يوم العيد، تقديما لمصلحة الفقير، ونظرا لحاجته، وتحقيقا لمقصد الزكاة.
ويوضح، نحن اليوم أشدّ حاجة إلى تقديم الزكاة، خاصة في المدن، وذلك لسببين: أولا: ضعف التعارف في المدن، وثانيا: لأنّ المؤسسات القائمة بهذا الدور العظيم في تجميع الزكاة لها طاقات معينة، وهناك سبب ثالث: وهو اختلاف مظاهر العيد، واتجاهه نحو الملبس وما شابهه، فلكي نحقق حق الله في إخراج هذه الشعيرة، ونعين المحتاج إليها، ونحقق التكامل بين أفراد المجتمع، وتعمّ الفرحة بين طبقاته؛ كان ولا بدّ من التعجيل في إخراج الزكاة، ولو من منتصف الشهر المبارك.
إخراج زكاة الفطر نقدا
يشير الباحث المنتدب بوزارة الأوقاف والشؤون الدينية الى ان العيد موسم من مواسم الرحمة والمودة والألفة، ويوم من أيام البهجة والمحبة، شرعه الله بعد شعيرتين عظيمتين: شعيرة الصيام، وشعيرة الحج الأكبر.
والعيد موسم يعمُّ جميع شرائح المجتمع، الصغير والكبير، الذكر والأنثى، الأبيض والأسود، الغني والفقير، الرئيس والمرؤوس.
ومن رحمة الله – تعالى - على العباد أن شرع للعيدين من الأحكام ما يبهج الجميع، ويحقق بين أفراد المجتمع المساواة والمودة، فقد شرع لعيد الفطر زكاة الفطر؛ لأجل سد حاجة الفقراء، وليكون مصدرا لهم يعينهم في توفير مستلزمات العيد كغيرهم من أبناء المجتمع.
كما أنّه شرع لعيد الأضحى الأضحية، وأوجبها على القادر؛ ليخرج حق الله في إطعام الجائع، ومساعدة المحتاج.
فالعيد في الإسلام ليس مخصوصا لطبقة معينة، ومزاياه وأبعاده لا تقتصر على فئة دون فئة، فهو عيد الرحمة والمودة، الذي لا يعرف في المجتمع قيودا ولا حدودا.
ولكلِّ مجتمع مظاهره الخاصة في العيد، والتي تدخل في دائرة الأعراف والعادات، فالشريعة الغراء راعت هذه الأعراف والعادات، واعتبرتها محكمة معتبرة، شريطة أن لا تتجاوز إلى الإسراف والتبذير، والمباهاة والكبر.
وقد رأينا من مظاهر العيد في عهده - صلى الله عليه وسلم - الطعم، واللباس الحسن الجميل، لذا كان للطعم قيمته في ذلك العهد، بل حتى زمن قريب في العديد من مناطق العالم الإسلامي، من هنا جعل - عليه الصلاة والسلام - زكاة الفطر في الطعم الذي يقتات به الناس في عهده، وبيّن المقصد من ذلك، فهي طهرة للصائم من اللغو والرفث، وطعمة للمساكين ، وهي إغناء للفقير عن الطواف في مثل هذا اليوم.
لذا ندرك من خلال هذه الروايات أنّ زكاة الفطر شرعت لتلبي الإحساس بحاجة المسكين، ولكي تكون مظهرا عمليا للتضامن في المجتمع المسلم.
ويبيّن، عندما اتسعت الدولة الإسلامية، ودخل النّاس أفواجا في دين الله – تعالى -، فتعددت الأجناس والبيئات، وتحققت عالمية الإسلام، وقدرته على المرونة والانفتاح على كافة الأعراف والثقافات؛ كان لزكاة الفطر تطورا في التعامل مع جزئياتها، مع بقاء فرضيتها أو سنيتها، ولكونها شرعت لإغناء الفقير، وإعانته في هذا اليوم.
لذا تعددت آراء الفقهاء وفق المكان والأعراف السائدة فيه، فأجاز بعض الفقهاء إخراجها نقدا؛ لأنّ النقد أعلى قيمة من الطعم، وبه يتحقق مقصد الزكاة خلافا للطعم، ففي بعض البلدان إذا أخرج المزكي طعما لن يستفيد الفقير منها، وسيقضي عيده حزينا كئيبا، تحت سقف الديْن واليأس من مشاركة الآخرين بهجتهم وفرحتهم.
كما أنّ بعض الفقهاء أجاز إخراجها من غير الأصناف المذكورة في الروايات كاللحم مثلا، ففي بعض البلدان لا قيمة لهذه الأصناف؛ إمّا لقلة استعمالها، أو لأنّها ليست مظهرا من مظاهر العيد، لذا أجازوا إخراجها من غير هذه الأصناف.
وإذا جئنا إلى التطبيق المعاصر نجد أنّ حصر الزكاة في الطعم، وتقليص وقتها الزماني من حيث الإخراج؛ يجعل الزكاة مجرد طقس يمارسه الصائم، لا تحقق جدوى في المجتمع، ونبتعد بذلك عن المقصد العظيم الذي أراده رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من تشريع هذا الحكم.
فما الفائدة التي يجنيها الفقير والمحتاج عندما تتراكم عنده أكوام من الأرز والبر، وهو عاجز عن توفير احتياجات العيد من ملابس ونقود " العيدية "، فيقضي عيده إمّا لاجئا إلى الديون، أو متذللا أصحاب الخير والإحسان، لعله يجد من يعينه ويعين أولاده وهم يرون مظاهر العيد ظاهرة على أولاد القادرين.
من هنا أحببت مناقشة المضيقين في إخراج الزكاة نقدا، والتعليق عليها.
بداية مسألة ترجيح إخراج زكاة الفطر نقدا ليست وليدة اليوم؛ بل هي تعود إلى قرن التابعين، الذين يدركون مقاصد النصوص ومغازيها، وليس هذا إنكارا للنص أو السنة؛ بل هو إعمال للنص بما يتلاءم والزمان والمكان.
وممّن أجازها في القرن الأول الإمام جابر بن زيد، جاء في منهج الطالبين: وقيل كان ضمام يكره إعطاء الدراهم عن فطرة شهر رمضان، وكان الأعور – أيّ جابر بن زيد – يعجبه ما قال ضمام، ثمّ بدا له من رأيه أن قال: إنّ الدراهم خير من الطعام.
وممّن أجازه من التابعين سفيان الثوري، والحسن البصري، والخليفة عمر ابن عبد العزيز، وقال الحسن البصري: "لا بأس أن تُعطى الدراهم في صدقة الفطر"، وكتب الخليفة عمر بن عبد العزيز إلى عامله في البصرة: أن يأخذ من أهلِّ الديون من أعطياتهم من كلِّ إنسان نصف درهم.
ويرى الإمام الصادق وهو من أئمة القرن الثاني الهجري أنّ إخراج زكاة الفطر أنفع وأفضل للفقير، حيث يشتري به ما يريد، وأخذ بهذا الرأي أبو حنيفة النعمان، وعليه أتباعه الحنفية.
أدلة
وتطرق العبري إلى أدلة من ضّيق إخراج زكاة الفطر نقدا، فمجمل أدلتهم تتمثل في، (أكبر أدلتهم) أنّ زكاة الفطر عبادة مفروضة من جنس معين فلا يجزئ إخراجها من غير الجنس المعين، كما لا يجزئ إخراجها من غير الوقت المعين.
نعم زكاة الفطر مشروعة ضمن أجناس معينة وفق المكان الذي حدد فيه – عليه الصلاة والسلام – هذه الأجناس، ومراعاة للزمان، ولو قلنا بهذا: لمنعنا إخراجها أرزا ورطبا ولحما وما شابه ذلك، مع أنّ هذه الأجناس لم يحددها النبي – صلى الله عليه وسلم -، فلماذا أجيزت؟ ومن الصحابة من أجاز غير الأصناف المذكورة، وقدّم الفترة الزمنية في إخراجها على غير ما كان في عهده – صلى الله عليه وسلم -، فما كان هذا منهم إلا أنّهم يدركون المقصد من مشروعية هذه الشعيرة.
وقد يقول قائل: ما فعله الصحابة كان داخلا في دائرة الطعم، بينما النقد خارجا عن هذه الدائرة، فإذا كان كذلك فلم حددها النبي – صلى الله عليه وسلم – في أصناف خمسة؟ ولماذا لم يأمرهم فقط بإخراج الطعم ولهم الحرية في اختيار جنس الطعم؟ ما كان هذا إلا مراعاة منه – عليه الصلاة والسلام – لأمرين: مظاهر العيد، والقيمة الغذائية، فالعيد في عهد – صلى الله عليه وسلم – من أهم مظاهره الطعم، ولأنّ لهذه الأصناف في عهد قيمة سوقية يمكن بها أن يوفر مستلزمات وحاجيات العيد من ملابس وغيرها، فقدَّم حاجة الفقراء ومصلحتهم، وأعطى مثالا للأمة في جنس الزكاة بما يوافق العصر والمكان.
ثمّ إنّ بعض الصحابة قدّم مصلحة الفقير على ظاهر النص حتى في غير زكاة الفطر، فعن طاووس قال: لمّا قدم معاذ بن جبل اليمن قال: أتوني بعرض ثياب آخذه منكم مكان الذرة والشعير فإنّه أهون عليكم، وخير للمهاجرين بالمدينة، وعن عطاء كان عمر بن الخطاب يأخذ العروض في الصدقة من الدراهم، وعلى هذا أفتى أحمد ابن حنبل لمن سأله عن رجل باع ثمرة نخلة، فهل يخرج الثمر أو ثمنه، فقال: إن شاء أخرج ثمرا، وإن شاء أخرج من الثمن.
وبهذا يظهر لنا ضعف تعلقهم بهذا الدليل بفعل الصحابة، وفهم كبار سلف الأمة، ولا يعني هذا أنّ هناك من الصحابة والتابعين من تمسّك بظاهر النص، ولكن لا يعني هذا أن ننسى الطرف الثاني، وندّعي من خالف الرأي الأول فقد خالف السنة والإجماع، فهذه من مسائل الرأي التي يسع الخلاف فيها.
ايضا، إخراج زكاة الفطر نقدا مخالف لأمر النبي – صلى الله عليه وسلم – القائل: "من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو ردّ"، أي مردود على صاحبه.
وهذا من أعجب الأدلة! فمن قال بإخراجها نقدا أتى بشيء جديد؛ بل هو وظّف النص بما يوافق الزمان والمكان، والأولى أن يوجه الخطاب إلى من أضاف أجناسا جديدة، وقدّم الفترة الزمنية؛ لمخالفته أمره – صلى الله عليه وسلم – في إخراج غير الأجناس التي حددها، وتقديم المدّة التي عينها، فإخراج الزكاة نقدا كان توظيفا للنص لا مخالفة، والحديث يُراد به من خالف أمرا صريحا كصلاة المغرب أربعا، وليس المقصود به توظيف النص.
ومن أدلتهم، "زكاة الفطر عيّنها النبي – صلى الله عليه وسلم – في أجناس مختلفة، وأقيامها مختلفة غالبا، فلو كانت القيمة معتبرة لكان الواجب صاعا من جنسه وما يقابله من الأجناس الأخرى".
والردّ على هذا أنّ هذه الأجناس ذاتها متفاوتة في القيمة السوقية، فالصاع من البر ليس كالصاع من الشعير، وكذلك من الزبيب ونحوه، ولكن وضع لها اعتبار لحاجة الناس إليها في يوم عيدهم في ذلك العهد، ولأنّها على اختلاف مقاديرها كان لها قيمة سوقية، ولذا عندما تقدم الزّمان أجاز العلماء آخراجها في غير هذه الأصناف مع اتحاد الصاع واختلاف قيمته سوقيا؛ وذلك لمراعاة المقصد من اخراج الزكاة، وما فعله بعض الصحابة – خلافا لرواية الإمام زيد – من تقليل للصاع كان مراعاة لقيمته السوقية، والنقد وإن كان لا ينطبق عليه الوزن بالصاع لكونه جنسا آخر؛ إلا أنّه يقوم مقام هذه الأجناس في القيمة، وهو أكثر فاعلية في تحقيق المقصد، ومراعاة الزمان والمكان، لذا كان أخراجه – خاصة في عصرنا – أولى وأجدى. ومن أدلتهم، "ولأنّ إخراج القيمة يُخرج الفطرة عن كونها شعيرة ظاهرة إلى كونها صدقة خفية، فإنّ إخراجها صاعا من طعام يجعلها ظاهرة بين المسلمين، معلومة للصغير والكبير، يشاهدون كيلها وتوزيعها، ويتعارفونها بينهم، بخلاف ما لو كانت دراهم يخرجها الإنسان خفية بينه وبين الآخذ".
والردّ: أنّ زكاة الفطر صدقة من الصدقات ليس القصد منها الإشهار والرياء، وإنّما القصد مراعاة الفقراء والمساكين، وإظهار الفرحة بين الجميع، وهذا ما لا يتحقق اليوم بالطعم، ولكن يتحقق بالنقد، والفقير ليس بحاجة إلى من يشهره ليرمي أكواما من الأرز في بيته ثمّ لا يستفيد منها، وقد يرمي – وقد حصل – أكيالا منها في الزبالة، أو يدفنه في الأرض، وهذا لا يرضاه الله – تعالى -، ولا رسوله – صلى الله عليه وسلم -، وذلك إمّا لفسادها بعد فترة، أو لكثرتها ولاستغنائهم عنها، وما قلناه من كلام في مقصد الزكاة خلال القرآن الكريم الذي به ندرك الغاية من تشريع الصدقة والزكاة، فنضع كلّ صنف في مكانه الصحيح وفق الزمان والمكان.
ومن أدلتهم، أنّ الرسول – صلى الله عليه وسلم – بيّن العلة الأساسية وهي كما في الرواية: "زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث، وطعمة للمساكين"، فلا يصح أن نبدل ما جعله النبي – صلى الله عليه وسلم – طعما بالنقد، وإلا وقعنا في مخالفة النص.
والرد: تبيينه – عليه الصلاة والسلام – أنّ زكاة الفطر طعمة للمساكين، ليس بيانا للمقصد الرئيسي لمشروعية هذه الزكاة، ولكن بيانا لحالهم أنّ إعانة المساكين تتحقق بالطعم، وذلك لأنّ من أعظم المظاهر في عهده الطعم، وبالطعم أيضا يحقق المظاهر الأخرى، وحاشا لرسول الله – صلى الله عليه وسلم – وهو الذي رباه القرآن أن يجعل من الزكاة مجرد أصناف يتداولها الناس لا مقصد لها إلا إخراج الطعم، فإخراجه طعما كان موافقا لعهده – عليه الصلاة والسلام -، يقول أبو حنيفة : "علّة إخراج زكاة الفطر إغْنَاءُ الْفَقِيرِ، لحديث النبى – عليه الصلاة والسلام -: « أَغْنُوهُمْ عَـنْ الْمَسْأَلَةِ فِي مِثْلِ هَذَا الْيَوْمِ » ، وَالْإِغْنَاءُ يَحْصُلُ بِالْقِيمَةِ، وهى أَقْرَبُ إلَى دَفْعِ الْحَاجَةِ، و إخراج الطعـام قد لا ينتفع به الفقير".
ومن أدلتهم أيضا: "الفقير إذا كان فقيراً حقًّا لابد أن ينتفع بالطعام، وحاجته إلى الملبس والمشرب تُكفل بالصدقات التي حثّ الشرع عليها طوال العام".
والردّ على هذا من خلال طرح هذا السؤال، لماذا سنّ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – زكاة الفطر؟ أما كان يُسدّ بالصدقات طوال العام؟ وذلك لأنّه – عليه الصلاة والسلام – نظر إلى مكانة عيد الفطر في الإسلام، وأهمية أن يفرح الكلّ بهذا العيد، فشرع الزكاة لتحقيق هذا المقصد، وأمر بإخراجها قبل الصلاة؛ لأنّه لا فائدة منها بعد الصلاة، فكانت مشروعيتها لمقصد واضح، فبإمكان الصحابة إخراج الطعم طوال العام، فلماذا التشديد قبل العيد بالذات إلا لتحقيق هذا المقصد العظيم، لذا إخراج النقد أجيز عندما احتاج الفقير إليه أكثر من الطعم، ولقيمته السوقية كما هو معلوم. وبهذا نكون قد أجملنا أدلتهم، وبينا ضعفها من حيث التحقيق، وقوة من أجاز إخراجها نقدا، فهي موافقة للواقع، وكانت إعمالا للنص، وتحقيقا للمقصد، وإعانة للمسكين، وإرضاء للرب، وبهجة للطفل واليتيم، وفوق هذا تحقيقا لمقاصد القرآن في الزكاة والصدقات
منقول من جريدة عمان
No comments:
Post a Comment