مسقط - أحمد الهنائي
يعود حمد إلى منزله بعد عمل شاق، يستقبله أبناؤه الستة بمطالبهم اليومية المعتادة والتي تتكرر باستمرار، يغض الطرف عن كل ذلك وكأنه لم يسمع شيئاً، ويطيل التأمل في الملجأ الذي يأويه. إنه لا يعدو أن يكون ملاذاً بسيطاً يستر أهله ويداري سوآتهم، إذ يقطن حمد وعائلته في "كرفانةٍ" متهالكة، لم يُبقِ الدهر منها شيئاً، فالعين تصاب بالوهن لمجرد رؤية ذلكم المأوى الذي يكتنف هذه الأسرة البائسة.
يعود حمد إلى منزله بعد عمل شاق، يستقبله أبناؤه الستة بمطالبهم اليومية المعتادة والتي تتكرر باستمرار، يغض الطرف عن كل ذلك وكأنه لم يسمع شيئاً، ويطيل التأمل في الملجأ الذي يأويه. إنه لا يعدو أن يكون ملاذاً بسيطاً يستر أهله ويداري سوآتهم، إذ يقطن حمد وعائلته في "كرفانةٍ" متهالكة، لم يُبقِ الدهر منها شيئاً، فالعين تصاب بالوهن لمجرد رؤية ذلكم المأوى الذي يكتنف هذه الأسرة البائسة.
ويبادر ربُّ الأسرة بالقول لدى سؤاله: هذا هو المسكن الذي أقطنه منذ تسع سنين، والرائي لهذه "الخرابة" يدرك بأنها غير قابلةٍ للعيش، وليس بها أي مَعلمٍ يوحي بوجود الحياة، فكل شيءٍ كئيبٌ هنا، ولا أظن أحداً يستطيع تحمّل ما نتحمله، ولكنها قسوة الحياة تجبرك على التعايش مع هذا الوضع بكل آلامه وقسوته، فلا بديل آخر نستطيع الحصول عليه، فالحياة أغلقت أبوابها من كل الاتجاهات، وبقيت وحيداً أرفع صوت استغاثاتي ونداءاتي، علّها تصل إلى مولاي جلالة السلطان باني النهضة العمانية، فهو لا يرضى بأن يحيى المواطن العماني هذه الحياة التي هي أشبه ما تكون بحياة الحيوان. فور وصولنا إلى مقر إقامة هذه العائلة في إحدى محافظات السلطنة الحيوية، هالنا منظر هذه "الكرفانة" المتهاوية والمحطمة الأركان، فالمنظر العام الخارجي لها يوحي بحجم المأساة، فهل حقاً يعيش مواطنٌ في هذا البلد وهو لا ينعم بحق "السكن المريح"؟، وهو التساؤل الذي طرحه حمد بقوله: "أليس من حق المواطن أن ينعم بسكنٍ مريحٍ يحفظ له كرامته؟! أوليس هذا حقاً من حقوق الإنسان؟!".
الكرفانة متصدعة وأرضيتها متهاوية، وحال دخولك إليها تستقبلك غرفة "الأبناء" وهي تئن من الفوضى والأدوات المبعثرة في كل مكان، ذلك أنها غرفةٌ لستة أبناء، والزائر لتلك الغرفة لا يمكنه المكوث فيها لأكثر من عشر دقائق من هول ما يشاهده في تلك الغرفة من كوارث، فالسقف مفتوحٌ على مصراعيه على السماء، يستقبل كل خيراتها ورسلها بكل رحابة صدر، من غير حواجز أو موانع، فالأمطار تفعل ما تشاء بالبيت ساعة تساقطها، ذلك أنه لا سقف لهذه الغرفة يحميها، والباب كذلك تالفٌ لا جدوى من وجوده، بالرغم من كونه الباب الرئيس لتلكم الكرفانة، فأي غرفةٍ هذه سقفها مفتوحٌ وأرضيتها معطلة وبابها محطم وجدرانها متصدعة وغير ثابتة.
260 ريالا
حال سؤالنا عن دخل هذه الأسرة، يجيبنا ربُّ الأسرة حمد بقوله: "ليس لنا مصدر دخلٍ نقيم به وَأْدنا سوى الأجر الزهيد الذي أتقاضاه من عملي، فأنا أعمل بإحدى الشركات المحلية وبأجرٍ ثابتٍ مقداره (260) ريالا، فهل هذا الراتب من الممكن أن يقيم حياة ثمانية أفراد؟! خصوصاً في وقت ارتفاع المعيشة ووصول الأسعار إلى أرقامٍ قياسية، وفي نهاية كل شهر أجد نفسي متأزماً في توزيع هذا المبلغ على مستلزماتنا الشهرية وما أكثرها، على أن إيجار "الكرفانة" مع فواتير الكهرباء والمياه يصل إلى (100) ريال، وما يتبقى يدخل في مصاريفنا الاستهلاكية ومصاريف الأبناء في الدراسة ويذهب إلى التغذية والكماليات وغيره، وهذا المبلغى لا يكفي شهرياً لمصروف فرد واحد فما بالكم بعائلةٍ تبلغ ثمانية أفراد؟. البكر في السجن
ما يزيد من معاناة رب هذه العائلة هو تعرض ابنه الأكبر للسجن بسبب تراكم الديون عليه، فلم يستطع سدادها، وكان والده ينتظر منه أن يعينه ويساعده على توفير لقمة العيش له، وكانت الأحلام تراوده قبل ذلك لأن يعينه في الخروج من هذه الحالة التي يرثى لها ويتمكن من توفير مسكنٍ له ولعائلته حتى وإن كان بالإيجار، لكن كل ذلك لم يحدث، وأضحى الابن البكر عالة على أبيه، وتكفل السجن باحتوائه.
ثم انتقل رب العائلة إلى الحديث عن وضع "الكرفانة" مجددا بقوله: ما يسوءني من هذا المسكن أنه غير قادرٍ على تأمين حياةٍ هانئة، وتبقى لنا ذكرى مريرة في فترة الأنواء المناخية التي عصفت بالبلاد عام 2007م، حيث لم تتمكن الكرفانة من منع المياه عن دخولها، فغمرت المياه كل أغراض المنزل ولم تبقِ شيئاً، في حين أننا انتقلنا أنا وعائلتي للعيش في المدرسة المجاورة حتى تهدأ الأنواء المناخية الغاضبة، فالكرفانة لم تستطع حمايتنا وتوفير الأمن لنا، اضف إلى ذلك أننا نواجه المشكلة ذاتها كلما غيّمت السماء وبدأت في الهطول، لتتحول الكرفانة إلى مستنقعٍ، تتلف معه كل أغراضنا وأدواتنا، ونظل ندعو الله كلما لاحت في الأفق غيمةٌ سوداء أن تؤجل المطر إلى أعوامٍ قادمة حتى نجد حلاً أو بيتاً يؤينا، وإلى اليوم أصبح وجود منزلٍ لنا متمنعاً وعزيزاً.
مسكن حكومي
يأمل "حمد" أن يصل صوته إلى الجهات المعنية عبر "صحيفة الشبيبة" ويقول: "أتمنى أن يصل صوتي إلى الجهات المعنية في البلد لتنتشلني من الحالة المأساوية التي أعيشها، فليس لي مطلبُ سوى توفير مسكنٍ مريحٍ لي ولعائلتي، حتى ننعم بحياةٍ هانئة في موطني، ولي طلبٌ سابقٌ بوزارة الاسكان حول توفير مسكنٍ لي، وإلى الآن لم يأتِ أي ردٍ من الوزارة، على أمل التعجيل في الأمر في قادم الأيام، كما أنني إلى اليوم لم أتقدم بطلب أرضٍ سكنية حالي في ذلك حال بقية المواطنين، لأني غير قادرٍ على دفع رسومها، ولو كنت أملك مبلغ الرسوم فإن اسكات الأفواه الجائعة مقدمٌ على دفع رسومٍ الأرض، ولن أتمكن من بنائها أبداً في ظل معطياتي الحياتية وإمكاناتي المادية المنعدمة. كلي ثقةٌ ويقين بأن معاناتي لن تستمر طويلاً، وأن الفرج قادمٌ لا محالة، فأهل الخير في هذا البلد كثر، ومن يشاهد وضعي ومسكني الحالي ستتجلى له الصورة بكل تفاصيلها ودلالاتها".
صرخة أم سعيد
على مقربةٍ من الكرفانة الأولى، ووسط منازل جميلة وأبنية حديثةٍ متناسقة، تقيم المواطنة فريدة (أم سعيد) وأبنائها الأربعة في "كرفانة" قديمة عفا عليها الزمن، إلا أن "شقيقتها" اجتهدت كثيراً في صبغ إحدى غرفها وتأثيثها، حتى لا يشعر الأبناء بإحراجٍ شديد حينما يستقبلون ضيفاً أو حينما يزوهم الأقران، إلا أن "الكرفانة" لا تزال تخبئ كل أوجاع السنين وآلامها ومعاناة فريدة مع "الترمل" ومحاولة إدارة شؤون أبنائها "الأيتام" الذين لا ينفكون مطالبين بوضعٍ أفضل وحياةٍ أنظف وأجمل، إلا أن الواقع مؤلمٌ ومبكي، ولا يتوافر لهم سوى تلك الكرفانة "الدارسة" يحييون بها منذ خمس سنين أو يزيد. قدمت فريدة طلباً بتوفير مسكنٍ ملائمٍ لها وللأيتام المسؤولة عنهم قبل عدة سنين، وكانت يومها عاملةً في إحدى الشركات وتتقاضى راتب 160 ريالاً، وعن رد الوزارة تقول أم سعيد: "حينما تقدمت بطلبٍ إلى وزارة الإسكان شارحةً فيه ظروفي، جاءني الرد الذي أسكتني وأشعرني بالعي والخرس يوم أن قال لي أحد الموظفين الأكارم بأن راتبي يبلغ 160 ريالاً، ولكوني أرملةً ولدي أربعة أبناء فقط فإن الراتب كبير ولا يمكن توفير مسكنٍ لي في هذه الحالة، وأنا هنا لا أعلق على رد الوزارة، وإنما أشعر بذهولٍ شديد في أنه لا يحق لي المطالبة ببيتٍ كريم لكوني أتقاضى راتباً يصل إلى 160 ريالا، فهل كان يفترض أن يكون راتبي 50 ريالاً كي يقتنع المعنيون بالإسكان حتى ينظروا لي بعين الرأفة والشفقة؟ أليس حقاً من حقوق الإنسان أن توفر له بلده مسكناً صحياً ومريحاً؟!".
مسكن ملائم
تواصل أم سعيد شرح معاناتها فتقول: "حينما تكون مسؤولاً عن أيتام فإن الحمل يكون ثقيلاً، وليس هناك من يساندني، حقاً أقول إن الواضع صعبٌ للغاية، فأبنائي مطالبهم مستمرة، وأنا عاجزت عن فعل شيء، فراتبي الحالي وصل إلى 250 ريالا، لكنه لا يفي أبداً بالغرض، وأصبحت فواتير الكهرباء تتراكم علي مثلما يتراكم إيجار الكرفانة، ولا أجد ملاذاً حقيقياً أطمئن فيه على أبنائي، فالمياه تهجم على الكرفانة ساعة الأمطار، ناهيكم عن سقوف الكرفانة المتشققة والتي تسرب الماء بكمياتٍ غزيرة، والكرفانة وضعها سيءٌ للغاية، ومهما تحدثت فيكفي أن أقول بأن "الكرفانة" سقوفها متهاوية وأرضيتها خائرة وجدرانها غير صلبة، والله المستعان، إنما الحال نعجز عن احتماله حقاً، وطمعنا كبير في الجهات المعنية في مساعدتنا، ولا شك أن في الوطن أناسٌ كرام، لن يتركونا نغرق وبيدهم طوق النجاة، و القائمون على أمر الجهات الحكومية ستكون لهم وقفتهم المشرفة معنا.
منشور في جريدة الشبيبة في 24 ديسمبر 2011م
No comments:
Post a Comment